الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

وقوله : { وَإِنِّي خِفْتُ الموالي } [ مريم : 5 ] الآية ، قيل : معناه خاف أَن يرثَ الموَالي مَالَهُ ، والموالي : بنو العمّ ، والقرابةُ .

وقولُه { مِن وَرَائِي } أَيْ : من بعدي ، وقالت فرقةٌ : إنما كان مواليه مهمِلينَ للدِّين فخاف بموته أَنْ يضَيع الدينُ فطلب وليّاً يقومُ بالدين بعده حَكَى هذا القولَ : الزَّجَّاجُ ، وفيه : أَنه لا يجوزُ أَن يسأل زَكَرِيَّاءُ من يرث ماله إذ الأَنبيَاءِ لا تُورَثُ .

قال ( ع ) : وهذا يُؤَيّده قولُه صلى الله عليه وسلم : ( إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَا ، فَهُو صَدَقَة ) والأَظهرُ الأَلْيق بزكرياء عليه السلام أَن يريدَ وِرَاثةَ العِلْم والدِّينِ ، فتكون الوارثةُ مستعارةً ، وقد بلغه اللّه أَمَلَهُ .

قال ابنُ هِشَامٍ : و{ مِنْ وَرائِي } متعلّقٌ ب{ الموالي } ، أو بمحذوفٍ هو حالٌ من الموالي ، أو مُضَاف إليهم ، أَيْ : كائِنِينَ مِنْ وَرَائي ، أو فعَل الموالي مِنْ ورائي ، ولا يصحّ تعلقه ب«خِفْتُ » ؛ لفساد المعنى . انتهى . من «المغني » . و{ خِفْتُ الموالي } ، هي قراءةُ الجمهور ، وعليها هو هذا التفسير .

وقرأ عثمانُ بنُ عَفَّانَ ، وزيدُ بنُ ثابتٍ ، وابنُ عباسٍ ، وجماعةٌ «خَفَّتِ » بفتح الخاء ، وفتح الفاء ، وشدِّها ، وكَسْر التَّاء ، والمعنى على هذا : قد انقَطَع أَوْلِيَائِي ، وماتُوا ، وعلى هذه القراءة ، فإنما طلب وَليَّا يقوم بالدين .

قال ابنُ العربي في «أحكامه » : ولم يخف زكرياءُ وارثَ المالِ ، وإنما أَراد إرْثَ النبوءة ، وعليها خاف أَن تخرج عن عَقِبه ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال :

( إنَّا معَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة ) انتهى .

وقرأ عليُّ بنُ أَبي طَالِبٍ ، وابنُ عباسٍ ، وغيرُهما رضي اللّه عنهم «يرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ » .

( ت ) : وقوله : { فَهَبْ لِي } قال ابنُ مَالكٍ في «شرح الكافية » اللامُ هنا : هي لامُ التعدِيَة وقال ولدُه في «شرح الخلاصة » . قال ابنُ هشام : والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو : ما أكرم زيداً لعمرو ، وما أحبه لبكر ، انتهى .