الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

قوله : { خِفْتُ الْمَوَالِيَ } : العامَّةُ على " خَفْتُ " بكسر الحاء وسكونِ الفاء ، وهو ماضٍ مسندٌ لتاءِ المتكلم . و " المَوالي " مفعولٌ به بمعنى : أنَّ مَوالِيه كانوا شِرارَ بني إسرائيل ، فخافَهم على الدِّين . قاله الزمخشري .

قال أبو البقاء : " لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ ، أي : عَدَمَ المَوالي أو جَوْرَ المَوالي " .

وقرأ الزُّهري كذلك ، إلا أنه سَكَّن ياءَ " المَواليْ " وقد تَقَدَّم أنَّه قد تُقَدَّر الفتحةُ في الياء والواو ، وعليه قراءةُ زيدِ بنِ عليّ { تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ }

[ المائدة : 89 ] . وتقدَّم إيضاحُ هذا .

وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن العاص ويحيى بن يعمر وعلي بن الحسين في آخرين : " خَفَّتِ " بفتحِ الخاءِ والفاءِ مشددةً وتاءِ تأنيثٍ ، كُسِرَتْ لالتقاءِ السَّاكنين . و " المَوالِيْ " فاعلٌ به ، بمعنى دَرَجُوا وانقرضُوا بالموت .

قوله : { مِن وَرَآئِي } هذا متعلِّقٌ في قراءةِ الجُمهورِ بما تضمنَّه المَوالي مِنْ معنى الفِعْلِ ، أي : الذين يَلُوْن الأمرَ بعدي . ولا يتعلق ب " خَفْتُ " لفسادِ المعنى ، وهذا على أَنْ يُرادَ ب " ورائي " معنى خلفي وبعدي . وأمَّا في قراءةِ " خَفَّتْ " بالتشديد فيتعلَّق الظرفُ بنفسِ الفعل ، ويكونُ " ورائي " بمعنى قُدَّامي . والمرادُ : أنهم خفُّوا قدَّامَه ودَرَجُوا ، ولم يَبْقَ منهم مَنْ به تَقَوٍّ واعْتِضادٌ . ذكر هذين المعنيين الزمخشري .

والمَوالي : بنو العمِّ يدلُّ على ذلك تفسيرُ الشاعرِ لهم بذلك في قوله :

مَهْلاً بني عَمَّنا مَهْلاً مَواليَنا *** لا تَنْبُشوا بَيْنَنا ما كان مَدْفُوْنا

وقال آخر :

ومَوْلَىً قد دَفَعْتُ الضَّيْمَ عنهُ *** وقد أمْسَى بمنزلةِ المَضِيْمِ

والجمهورُ على " ورائي " بالمدِّ . وقرأ ابنُ كثير - في روايةٍ عنه - " وَرايَ " بالقصر ، ولا يَبْعُدُ ذلك عنه فإنه قَصَرَ " شُرَكاي " في النحل كما تقدَّم ، وسيأتي أنَّه قَرَأ { أَنْ رَاْه اسْتَغْنى } في العَلَق ، كأنه كان يُؤْثِرُ القَصْر على المدِّ لخفَّتِهن ولكنه عند البصريين لا يجوزُ سَعَةً .

و { مِن لَّدُنْكَ } يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب " هَبْ " . ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ " وَليَّاً " لأنه في الأصل صفةٌ للنكرةِ فقُدِّمَ عليها .