وقال ابن عباس وقتادة والضحاك : { اللؤلؤ } : كبار الجوهر { والمرجان } : صغاره . وقال ابن عباس أيضاً ومرة الهمداني{[10817]} عكس هذا ، والوصف بالصغر وهو الصواب في { اللؤلؤ } . وقال ابن مسعود وغيره { المرجان } : حجر أحمر ، وهذا هو الصواب في { المرجان } . و { اللؤلؤ } : بناء غريب لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة : اللؤلؤ والجؤجؤ والدؤدؤ واليؤيؤ وهو طائر ، والبؤبؤ وهو الأصل{[10818]} .
واختلف الناس في قوله : { منهما } فقال أبو الحسن الأخفش في كتابه الحجة ، وزعم قوم أنه قد ينفرج { اللؤلؤ والمرجان } من الملح ومن العذب .
قال القاضي أبو محمد : ورد الناس على هذا القول ، لأن الحس يخالفه ولا يخرج ذلك إلا من الملح وقد رد الناس على الشاعر في قوله : [ الطويل ]
فجاء بها ما شيت من لطمية . . . على وجهها ماء الفرات يموج{[10819]}
وقال جمهور من المتأولين : إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فلذلك قال : { منهما } وهذا مشهور عند الغواصين . وقال ابن عباس وعكرمة : إنما تتكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أجوافها للمطر ، فلذلك قال : { منهما } وقال أبو عبيدة ما معناه : إن خروج هذه الأشياء إنما هي من الملح ، لكنه قال : { منهما } تجوزاً كما قال الشاعر [ عبد الله بن الزبعرى ] : [ مجزوء الكامل مرفّل ]
. . . . . . متقلداً سيفاً ورمحا{[10820]}
. . . . . . . علفتها تبناً وماءً بارداً{[10821]}
فمن حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، وهذا كما قال تعالى : { سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن }{[10822]} [ نوح : 15-16 ] ، وإنما هو في إحداهن وهي الدنيا إلى الأرض . قال الرماني : العذب فيهما كاللقاح للملح فهو كما يقال : الولد يخرج من الذكر والأنثى .
وقرأ نافع وأبو عمرو وأهل المدينة : «يُخرَج » بضم الياء وفتح الراء . «اللؤلؤُ » رفعاً . وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : «يَخرُج » بضم الياء وفتح الراء على بناء الفعل للفاعل ، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر . وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي عنه : «يُخرِج » بضم الياء وكسر الراء على إسناده إلى الله تعالى ، أي بتمكينه وقدرته ، «اللؤلؤَ » نصباً ، ورواها أيضاً عنه بالنون مضمومة وكسر الراء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يخرج منهما} من الماءين جميعا، الماء الملح، والماء العذب، ومن ماء السماء {اللؤلؤ} الصغار {والمرجان} يعني الدر العظام...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان.
واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان؛
فقال بعضهم: اللؤلؤ: ما عظم من الدر، والمرجان: ما صغُر منه...
وقال آخرون: المرجان من اللؤلؤ: الكبار، واللؤلؤ منها: الصغار...
وقال آخرون: المرجان: جيد اللؤلؤ...
والصواب من القول في اللؤلؤ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج من أصداف البحر من الحبّ، وأما المرجان، فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعون أنه جمع مرجانة، وأنه الصغار من اللؤلؤ، قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم، والله أعلم بصواب ذلك.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
خلق الله تعالى اللؤلؤ مدورا في صدف تحت الماء، وأثبت المرجان في جنح صخور البحر، فقال سبحانه: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وذلك في معرض الامتنان، وقيل: المرجان المذكور في القرآن: هو الرقيق من اللؤلؤ. (الحكمة في مخلوقات الله عز وجل ضمن المجموعة رقم 1 ص 18)...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{المرجان}: حجر أحمر، وهذا هو الصواب في {المرجان}...
المسألة الثانية: اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح، فكيف قال: منهما؟
(أحدهما) أن ظاهر كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس الذي لا يوثق بقوله، ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح وما وجدوه إلا فيه، لكن لا يلزم من هذا أن لا يوجد في الغير سلمنا لم قلتم أن الصدف يخرج بأمر الله من الماء العذب إلى الماء المالح وكيف يمكن الجزم والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم.
(ثانيهما) أن نقول: إن صح قولهم في اللؤلؤ إنه لا يخرج إلا من البحر المالح، فنقول: فيه وجوه.
(رابعها) أن (من) ليست لابتداء شيء كما يقال: خرجت من الكوفة بل لابتداء عقلي كما يقال: خلق آدم من تراب ووجدت الروح من أمر الله فكذلك اللؤلؤ يخرج من الماء أي منه يتولد.
المسألة الثالثة: أي نعمة عظيمة في اللؤلؤ والمرجان حتى يذكرهما الله مع نعمة تعلم القرآن وخلق الإنسان؟
(الأول) أن نقول: النعم منها خلق الضروريات كالأرض التي هي مكاننا...ومنها الزينة وإن لم يكن نافعا كاللؤلؤ والمرجان...
(والثاني) أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم، والنعم قد تقدم ذكرها هنا، وذلك لأن خلق الإنسان من صلصال، وخلق الجان من نار، من باب العجائب لا من باب النعم، ولو خلق الله الإنسان من أي شيء خلقه لكان إنعاما، إذا عرفت هذا فنقول: الأركان أربعة، التراب والماء والهواء والنار فالله تعالى بين بقوله: {خلق الإنسان من صلصال} أن الإنسان خلقه من تراب وطين وبين بقوله: {خلق الجان من مارج من نار} أن النار أيضا أصل لمخلوق عجيب، وبين بقوله: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} أن الماء أصل لمخلوق آخر، كالحيوان عجيب، بقي الهواء لكنه غير محسوس، فلم يذكر أنه أصل مخلوق بل بين كونه منشأ للجواري في البحر كالأعلام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{اللؤلؤ} وهو الدر الذي هو في غاية البياض والإشراق والصفاء {والمرجان} أي القضبان الحمر التي هي في غاية الحمرة، فسبحان من غاير بينهما في اللون والمنافع والكون -...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان).. واللؤلؤ في أصله -حيوان. "ولعل اللؤلؤ أعجب ما في البحار، فهو يهبط إلى الأعماق، وهو داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من الأخطار... " والمرجان من عجائب مخلوقات الله، يعيش في البحار على أعماق تتراوح بين خمسة أمتار وثلاث مائة متر...