التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

حال ثالثة . ثم إن كان المراد بالبحرين : بحرين معروفين من البحار الملحة تكون ( من ) في قوله : { منهما } ابتدائية لأن اللؤلؤ والمرجان يكونان في البحر الملح .

وإن كان المراد بالبحرين : البحر الملح ، والبحر العذب كانت ( من ) في قوله : { منهما } للسببية كما في قوله تعالى : { فمن نفسك } في سورة النساء ( 79 ) ، أي يخرج اللؤلؤ والمرجان بسببهما ، أي بسبب مجموعهما . أما اللؤلؤ فأجْودُهُ ما كان في مصبّ الفرات على خليج فارس ، قال الرماني : لما كان الماء العذب كاللقاح للماء الملح في إخراج اللؤلؤ ، قيل : يخرج منهما كما يقال : يتخلق الولد من الذكر والأنثى ، وقد تقدم بيان تَكون اللؤلؤ في البحار في سورة الحج .

وقال الزجّاج : قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما وهو كقوله تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً } [ نوح : 15 ، 16 ] ، والقمر في السماء الدنيا . وقال أبو علي الفارسي : هو من باب حذف المضاف ، أي من أحدهما كقوله تعالى : { على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] أي من إحداهما .

و { المرجان } : حيوان بحري ذو أصابع دقيقة ينشأ ليّناً ثُمَّ يتحجّر ويتلوّن بلون الحمرة ويتصلب كلما طال مكثه في البحر فيستخرج منه كالعروق تتخذ منه حلية ويسمى بالفارسية ( بسَذ ) . وقد تتفاوت البحار في الجيّد من مرجانها . ويوجد ببحر طَبرقَة على البحر المتوسط في شمال البلاد التونسية .

و { المرجان } : لا يخرج من ملتقى البحرين الملح والعذب بل من البحر الملح .

وقيل : المرجان اسم لصغار الدرّ ، واللؤلؤ كباره فلا إشكال في قوله منهما .

وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب { يخرج } بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول . وقرأ الباقون { يخرج بفتح الياء وضم الراء لأنهما إذا أخرجهما الغوّاصون فقد خرجا .

وبين قوله : { مرج } [ الرحمن : 19 ] وقوله : { والمرجان } الجناس المذيّل .