البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

المرجان : الخرز الأحمر ، وقيل : صغار الدر ، واللؤلؤ كباره ، واللؤلؤ بناء غريب . قيل : لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة ؛ اللؤلؤ ، والجؤجؤ ، والدؤدؤ ، واليؤيؤ طائر ، والبؤبؤ .

وقرأ الجمهور : { يخرج } مبنياً للفاعل ؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنياً للمفعول ؛ والجعفي ، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء ، أي يخرج الله ؛ وعنه وعن أبي عمرو ، وعن ابن مقسم : بالنون .

واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين .

والظاهر في { منهما } أن ذلك يخرج من الملح والعذب .

وقال بذلك قوم ، حكاه الأخفش .

ورد الناس هذا القول ، قالوا : والحس يخالفه ، إذ لا يخرج إلا من الملح ، وعابوا قول الشاعر :

فجاء بها ما شئت من لطيمة *** على وجهها ماء الفرات يموج

وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فناسب إسناد ذلك إليهما ، وهذا مشهور عند الغواصين .

وقال ابن عباس وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر ، فلذلك قال { منهما } .

وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح ، لكنه قال { منهما } تجوزاً .

وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح ، فهو كما يقال ؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى .

وقال ابن عطية ، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما ، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، كما قال : { سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً } وإنما هو في إحداهن ، وهي الدنيا إلى الأرض .

وقال الزمخشري نحواً من قول ابن عطية ، قال : فإن قلت : لم قال { منهما } ، وإنما يخرجان من الملح قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ، ولكن من بعضه .

وتقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محالة ، بل من دار واحدة من دوره .

وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب . انتهى .

وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف ، والتقدير : يخرج من أحدهما ، كقوله تعالى : { على رجل من القريتين عظيم } أي من إحدى القريتين .

وقيل : هما بحران ، يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان .

وقال أبو عبد الله الرازي : كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس ، ومن أعلم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب ، وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح .

ولكن لم قلتم إن الصدف لا يخرج بأمر الله من الماء العذب إلى الماء الملح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد ، فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ؟ واللؤلؤ ، قال ابن عباس والضحاك وقتادة : كبار الجوهر ؛ والمرجان صغاره .

وعن ابن عباس أيضاً ، وعلي ومرة الهمداني عكس هذا .

وقال أبو عبد الله وأبو مالك : المرجان : الحجر الأحمر .

وقال الزجاج : حجر شديد البياض .

وحكي القاضي أبو يعلى أنه ضرب من اللؤلؤ ، كالقضبان ، والمرجان : اسم أعجميّ معرب .

قال ابن دريد : لم أسمع فيه نقل متصرف ، وقال الأعشى :

من كل مرجانة في البحر أحرزها *** تيارها ووقاها طينها الصدف

قيل : أراد اللؤلؤة الكبيرة .

وقرأ طلحة : اللؤلؤء بكسر اللام الثالثة ، وهي لغة .

وعبد اللولي : تقلب الهمزة المتطرفة ياء ساكنة بعد كسرة ما قبلها ، وهي لغة ، قاله أبو الفضل الرازي .