الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

قوله : { يَخْرُجُ } : قرأ نافع وأبو عمرو " يُخْرَج " مبنياً للمفعول . والباقون مبنياً للفاعل على المجاز . قالوا : وثَمَّ مضافٌ محذوفٌ أي : مِنْ أحدِهما ؛ لأنَّ ذلك لم يُؤْخَذْ من البحرِ العَذْبِ ، حتى عابُوا قولَه :

فجاءَ بها ما شِئتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ *** على وَجْهِها ماءُ الفُراتِ يموجُ

قال مكي : " كما قال تعالى : { عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ } [ الزخرف : 31 ] أي : مِنْ إحدى القريَتيْن ، وحَذْفُ المضافِ كثيرٌ شائعٌ " وقيل : هو كقوله : { نَسِيَا حُوتَهُمَا } [ الكهف : 61 ] وإنما الناسِي فتاه ، ويُعْزَى هذا لأبي عبيدة . وقيل : يَخْرُجُ من أحدِهما اللؤلؤ ، ومن الآخر المَرْجانُ . وقيل : بل يَخْرجان منهما جميعاً ، ثم ذكروا تآويلَ منها : أنهما يَخْرُجان من المِلْح في الموضعِ الذي يقع فيه العَذْبُ ، وهذا مشاهَدٌ عند الغوَّاصين ، وهو قولُ الجمهورِ فناسَبَ ذلك إسنادَه إليهما . ومنها قولُ ابنِ عباس : تكون هذه الأشياءُ في البحرِ بنزول المطر ، والصَّدَفُ تفتح أفواهَها للمطر وقد شاهده الناسُ . ومنها : أنَّ العَذْبَ في المِلْح كاللِّقاح كما يُقال : الولدُ يخرُجُ من الذَّكر والأنثى . ومنها أنه قيل " منهما " من حيث هما نوعٌ واحدٌ ، فخروجُ هذه الأشياءِ إنما هي مِنْهما ، كما قال تعالى :

{ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وإنما هو في واحدةٍ منهن .

وقد الزمخشري : " فإنْ قلتَ : لِمَ قال " منهما " وإنما يَخْرجان من المِلْح ؟ قلت : لَمَّا التَقَيا وصارا كالشيء الواحدِ جاز أَنْ يُقال : يَخْرجان منهما ، كما يقال : يَخْرجان من البحر ولا يَخْرجان من جميع البحر ، وإنما يخرجان مِنْ بعضِه . وتقول : خَرَجْتُ من البلد ، وإنما خَرَجْتُ مِنْ مَحَلَّةٍ مِنْ محالِّه ، مِنْ دارٍ واحدة من دُوْره . وقيل : لا يخرجان إلاَّ مِنْ ملتقى المِلْح والعَذْب " انتهى . وقال بعضُهم : كلامُ الله أَوْلى بالاعتبارِ من كلامِ بعض الناس فمن الجائز أنه يَسُوقُها من البحرِ العَذْب إلى المِلْحِ ، واتفق أنهم لم يُخْرجوها إلاَّ من المِلْح ، وإذا كان في البرِّ أشياءُ تَخْفَى على التجار المتردِّدين القاطعِين للمَفاوُز ، فكيف بما في قَعْر البحرِ ؟ والجوابُ عن هذا : أنَّ اللَّهَ تعالى لا يُخاطِبُ الناسَ ولا يَمْتَنُّ عليهم إلاَّ بما يَأْلَفُون ويشاهِدُون .

واللؤلؤ قيل :/ كبارُ الجوهر . والمَرْجانُ صغاره ، وقيل بالعكس ، وأنشدوا قولَ الأعشى :

مِنْ كلِّ مَرْجانةٍ في البحرِ أَحْرَزها *** تَيَّارُها ووقاها طِيْنَها الصَّدَفُ

أراد اللؤلؤةَ الكبيرةَ . وقيل : المَرْجان حجرٌ أحمرُ . وقيل : حجرٌ شديد البياض ، والمَرْجانُ أعجميُّ . قال ابن دريرد : " لم أسمَعْ فيه فعلاً متصرفاً . واللؤلؤ بناءٌ غريبٌ ، لم يَرِدْ على هذه الصيغة إلاَّ خمسةُ ألفاظٍ : اللُّؤلُؤ ، والجُؤْجُؤ وهو الصَّدْر ، والدُّؤْدُؤُ ، واليُؤْيُؤُ لطائر ، والبُؤْبؤ بالموحَّدتين ، وهو الأصلُ . واللؤلؤُ بضمتين والهمز هو المشهورُ ، وإبدال الهمزةِ واواً شائعٌ فصيحٌ وقد تقدَّم ذلك .

وقرأ طلحة " اللُّؤْلِىءُ " بكسر اللام الثالثة ، وهي لغةٌ محفوظةٌ . ونَقَل عنه أبو الفضلِ " اللُّؤْلِيْ " بقَلْبِ الهمزة الأخيرة ياءً ساكنة كأنه لَمَّا كسَر ما قبل الهمزة قلبها ياءً استثقالاً . وقرأ أبو عمرو في رواية " يُخْرِجُ " أي الله تعالى . ورُوِي عنه أيضاً وعن ابن مقسم " نُخْرِجُ " بنون العظمة . واللؤلؤُ والمَرْجان في هاتين القراءتَيْن منصوبان .