الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

{ يَخْرُجُ } قرأ أهل المدينة وأبو عمرو ويعقوب بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم . الباقون على الضدّ .

{ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ } أي من البحرين ، قال أهل المعاني : إنّما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب ، ولكن هذا جائز في كلام العرب ان يذكر شيئاً ثم يخصّ أحدهما بفعل دون الآخر ، كقول الله سبحانه :

{ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [ الأنعام : 130 ] والرسل من الإنس دون الجن ، قاله الكلبي . قال : وجعل القمر فيهن نوراً وإنما هو في واحدة منهما ، وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر اللؤلؤ وهو أعظم من الدر ، واحدتها لؤلؤة . { وَالمَرْجَانُ } وهو صغارها ، وقال مرّة : المرجان جيّد اللؤلؤ ، وروى السدّي عن أبي مالك أن المرجان الخرز الأحمر ، وقال عطاء الخراساني هو البسذ ، يدل عليه قول ابن مسعود : المرجان حجر ، والذي حكينا من أن المراد بالبحرين القطر والبحر ، وأن الكناية في قوله : ( منهما ) راجعة إليهما [ وهو ] قول الضحاك ، ورواية عطية عن ابن عباس وليث عن مجاهد .

وتصديقهم ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا علي بن محمد بن لؤلؤ قال : أخبرنا الهيثم بن خلف قال : حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال : حدّثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قرأ { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } قال : إذا مطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها ، فحيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة .

ولقد ذكر لي أن نواة كانت في جوف صدف ، فأصابت بعض النواة ولم يصب بعضها فكانت حيث القطرة من النواة لؤلؤة وسائرها نواة .

وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبدالله قال : قرأ أبي على أبي محمد بن الحسن بن علويه القطان من كتابه وأنا اسمع ، قال : حدّثنا بعض أصحابنا قال : حدّثني رجل من أهل مصر يقال له : طسم قال : حدّثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قول الله سبحانه : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } قال : فاطمة وعلي { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } قال : الحسن والحسين .

وروي هذا القول أيضاً عن سعيد بن جبير ، وقال : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم .

وقال أهل الإشارة { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أحدهما معرفة القلب والثاني معصية النفس ، بينهما برزخ الرحمة والعصمة .

{ لاَّ يَبْغِيَانِ } لا تؤثر معصية النفس في معرفة القلب ، وقال ابن عطاء : بين العبد وبين الرب بحران : أحدهما بحر النجاة ، وهو القرآن من تعلق به نجا ، والثاني بحر الهلاك وهو الدنيا من تمسك بها وركن إليها هلك ، وقيل : بحرا الدنيا والعقبى ، بينهما برزخ وهو القبر قال الله سبحانه :

{ وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 100 ] .

{ لاَّ يَبْغِيَانِ } لا يحل أحدهما بالآخر ، وقيل : بحرا العقل والهوى { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } لطف الله تعالى . { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } التوفيق والعصمة ، وقيل : بحر الحياة وبحر الوفاة ، بينهما برزخ وهو الأجل ، وقيل : بحر الحجة والشبهة ، بينهما برزخ وهو النظر والاستدلال { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الحق والصواب .

{ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }