المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

111- لن يضركم هؤلاء الفاسقون بضرر ينالونكم به ، ويكون له أثر فيكم ، إلا أذى لا يبقى له أثر مثل ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك ، وإن يُقاتلوكم ينهزموا فارين من لقائكم ، ثم لا تكون لهم نصرة عليكم ما دمتم متمسكين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

قوله تعالى : { لن يضروكم إلا أذى } . قال مقاتل : إن رؤوس اليهود عمدوا إلى من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ، فآذوهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية لن يضروكم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود إلا أذى باللسان وعيداً وطغياناً وقيل كلمة كفر تتأذون بها .

قوله تعالى : { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار } . منهزمين .

قوله تعالى : { ثم لا ينصرون } . بل يكون لكم النصر عليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

قوله تعالى : { لن يضروكم إلا أذى } معناه : لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال ، وإنما هو أذى بالألسنة ، فالاستثناء متصل ، وقال الحسن ، وقتادة وغيرهما : «الأذى » هو تحريفهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه .

قال القاضي أبو محمد : وتنقصهم المؤمنين وطعنهم عليهم جملة وأفراداً ، وهذا كله عظيم مقلق وبسببه استحقوا القتل والإجلاء ، وضرب الجزية ، لكن أراد الله تعالى بهذه الآية أن يلحظهم المؤمنون بعين الاحتقار حتى لا يصدوا أحداً عن دينه ولا يشغلوه عن عبادة ربه ، وهكذا هي فصاحة العرب ، ومن هذا المعنى في التحقير قول ثمامة بن أثال{[3424]} : يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن شئت المال فاسأل منه ما شئت ، فقوله : ذا دم ، روي بالذال منقوطة ، وبالدال غير منقوطة ، فذم بفتح الذال وبكسرها أراد بها الذمام ، وأما الدال غير المنقوطة ، فيحتمل أنه أرد التعظيم لأمر نفسه ، وذلك بأحد وجهين : إما أن يريد الوعيد ، أي تقتل ذا دم مطلوب بثأره له حماة فاحذر عاقبة ذلك ، وإما أن يريد تقتل ملكاً يستشفى بدمه ، كما كانت العرب تعتقد في دماء الملوك ، فهذا استعطاف لا وعيد ، أي لا ينبغي ذلك أن تفسد مثلي ، وهذا كما استعطف الأشعث بن قيس أبا بكر رضي الله عنه بهذا المعنى ، ويحتمل كلام ثمامة ، أنه أراد تحقير أمر نفسه وليذهب عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم المسرة بنيل مثل هذا الأمر العظيم ، ويجري ذلك مجرى قول أبي جهل لعبد الله بن مسعود : وهل أعمد{[3425]} من رجل قتلتموه ؟ ومثله قول الأسير لعمر بن عبد العزيز ، حين قال له : لأقتلنك ، قال إن ذلك لا ينقص من عدد الخزر{[3426]} شيئاً فكأن ثمامة أراد : إن تقتلني تقتل حيواناً حقيراً شأنه ، كما يقتل كل ذي دم فما بالك تفعل ذلك وتدع الإنعام عليّ ؟ فالآية تنظر إلى هذا المعنى من جهة أنه حقر عند المؤمنين ما هو عظيم في نفسه تنبيهاً لهم ، وأخبر الله تعالى في قوله : { وإن يقاتلوكم } الآية ، بخبر غيب صححه الوجود ، فهي من آيات محمد صلى الله عليه وسلم ، وفائدة الخبر هي في قوله : { ثم لا ينصرون } أي لا تكون حربهم معكم سجالاً{[3427]} وخص { الأدبار } بالذكر دون الظهر تخسيساً للفارّ ، وهكذا هو حيث تصرف .

قوله : { ضربت } معناه : أثبتت بشدة والتزام مؤكد ، وهذا وصف حال تقررت على اليهود في أقطار الأرض قبل مجيء الإسلام ، قال الحسن : جاء الإسلام وإن المجوس لتجبيهم{[3428]} الجزية ، وما كانت لهم عزة ومنعة إلا بيثرب وخيبر وتلك الأرض فأزالها الله بالإسلام ، ولم تبق لهم راية أصلاً في الأرض ، و { الذلة } فعلة من الذل { ثقفوا } معناه أخذوا وهم بحال المذنب المستحق الإهلاك ، ومنه قوله تعالى : { فإما تثقفنهم في الحرب }{[3429]} { فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم }{[3430]} واللفظة مأخوذة من الثقاف ، ومنه قول الشاعر :

تدعو ثقيفاً وَقَدْ عَضَّ الحديدُ بها . . . عضَّ الثّقافِ على صُمّ الأنابيبِ{[3431]}

وقوله تعالى : { إلا بحبل } استثناء منقطع ، وهو نظير قوله تعالى : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً }{[3432]} لأن بادي الرأي يعطي أن له أن يقتل خطئاً ، وأن الحبل من الله ومن الناس يزيل ضرب الذلة ، وليس الأمر كذلك ، وإنما الكلام محذوف ، يدركه فهم السامع الناظر في الأمر ، وتقديره في آياتنا فلا نجاة من الموت { إلا بحبل } .


[3424]:- هو ثمامة بن أثال الحنفي، سيد أهل اليمامة أسر فقال صلى الله عليه وسلم: (ما عندك يا ثمامة؟ قال: إن تقتل تقتل ذا دم). الحديث، أسره الصحابة حينما ظفروا به بنجد، وكان يريد مكة ليعتمر فأصبح مربوطا باسطوانة عند باب رسول الله، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق، فذهب ثمامة إلى المصانع فغسل ثيابه، واغتسل، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وشهد شهادة الحق. "الاستيعاب 1/203".
[3425]:- من حديث ابن مسعود أن أبا جهل قال لمّا قتله: أعمد من رجل قتله قومه، أي: هل زاد على رجل قتله قومه؟ وهل كان إلا هذا؟ أي أنه ليس بعار، وقيل: أعمد بمعنى: أعجب، وقيل أعمد بمعنى أغضب، وقيل: معناه: أتوجع وأشتكي، والمراد بذلك كله أن يهوّن على نفسه ما حلّ به من الهلاك. "النهاية لابن الأثير 3/143".
[3426]:- اختلفت النسخ في كتابة الكلمة مما لم يتبين معه المقصود بها إلا ما كان من نسخة الخرز فهي أقرب إلى الفهم، ويوجد احتمال أن اللفظة هي الخرز بتقديم الزاي على الراء ومعناها كما في معجم البلدان: سكان الخرز، وهي بلاد الترك خلف باب الأبواب، وهو احتمال غير بعيد سيما إذا علم أن الأسير من بلاد الترك، فليحقق.
[3427]:- قال بعضهم: إن (ثم) في قوله تعالى: [ثم لا ينصرون] استئناف إخبار بأنهم لا ينصرون –يريد أعداءه، ولم يشرك في الجزاء فيجزم لأنه ليس مرتبا على الشرط، بل التولية مترتبة على القتال، والنصر منفى عنهم أبدا، و(ثم) هنا ليست للتراخي في الزمان، وإنما هي للتراخي في الإخبار بانتفاء النصر عنهم مطلقا.
[3428]:- جبى الخراج والماء والحوض يجباه ويجبيه: جمعه. ابن سيده، يقال: جبيت الخراج من القوم وجبيته القوم، إذا أخذته منهم- ويقال: جبيت الخراج جباية، وجبوته جباوة.
[3429]:- من الآية (57) من سورة الأنفال.
[3430]:- من الآية (91) من سورة البقرة.
[3431]:- البيت للنابغة الذبياني. والثقاف: خشبة تقوم بها الرماح، والأنابيب: جمع أنبوب وهو كعوب العصا. يقول: عض الحديد معصم هذه المرأة فأوجعها فجعلت تستغيث بقومها. "ديوان النابغة"
[3432]:- من الآية (92) من سورة النساء.