الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

قوله تعالى : { إِلاَّ أَذًى } : فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متصلٌ ، وهو استثناءٌ مفرغٌ من المصدر العام ، كأنه قيل : لن يَضُرُّوكم ضرراً البتة إلا ضرَر أذى لا يُبَالى به من كلمةِ سوءٍ ونحوِها . والثاني : أنه منقطع أي : لن يَضُرُّوكم بقتالٍ وغَلَبة ، ولكن بكلمةِ أذى ونحوِها .

قوله : { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } مستأنفٌ ، ولم يُجْزَمْ عطفاً على جواب الشرط ، لأنه كان يتغير المعنى ، وذلك أن الله تعالى أخبر بعدمِ نصرتهم مطلقاً ، ولو عطفناه على جواب الشرط للزِم تقييدُه بمقاتلتِهم لنا ، وهم غيرُ منصورين مطلقاً : قاتَلوا أَوْ لم يقاتلوا . وزعم بعضُ مَنْ لا تحصيلَ له أن المعطوف على جوابِ الشرط ب " ثم " لا يجوزُ جَزْمُه البتةَ ، قال : " لأنَّ المعطوفَ على الجوابِ جوابٌ ، وجوابُ الشرطِ يقع بعدَه وعقيبَه ، و " ثم " تقتضي التراخيَ فكيف يُتَصَوَّرُ وقوعُه عقيبَ الشرط ؟ فلذلك لم يُجْزَم مع " ثم " . وهذا فاسدٌ جداً لقوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ف " لا يكونوا " مجزومٌ نسقاً على " يستبدل " الواقعِ جواباً للشرط والعاطفُ " ثم " . و " الأدبارَ " مفعولٌ ثاني ليولُّوكم ، لأنه تعدَّى بالتضعيف إلى مفعول آخرَ .