المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

58- وربك العظيم المغفرة لذنوب عباده ، صاحب الرحمة الواسعة لمن أناب إليه منهم ، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من السيئات لعجَّل لهم العذاب كما سلف لغيرهم ، ولكنه - لحكمة قدَّرها - أخرهم لموعد يذوقون فيه أشد العقاب ، ولن يجدوا ملجأ يحفظهم منه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

قوله تعالى : { وربك الغفور ذو الرحمة } ذو النعمة { لو يؤاخذهم } يعاقب الكفار { بما كسبوا } من الذنوب { لعجل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } يعني البعث والحساب { لن يجدوا من دونه موئلاً } ملجأً .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

{ وربك الغفور } البليغ المغفرة . { ذو الرّحمة } الموصوف بالرحمة . { لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب } استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { بل لهم موعد } وهو يوم بدر أو يوم القيامة . { لن يجدوا من دونه موئلاً } منجاً ولا ملجأ ، يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

لما أخبر تعالى عن القوم الذين حتم بكفرهم ، أنهم لا يهتدون أبداً ، عقب ذلك بأنه للمؤمنين ، { الغفور ذو الرحمة } ، ويتحصل للكفار من صفته تعالى بالغفران والرحمة ، ترك المعاجلة ، ولو أخذوا بحسب ما يستحقونه لبادرهم بالعذاب المبيد لهم ، ولكنه تعالى أخرهم إلى موعد لا يجدون عنه منجي ، قالت فرقة هو أجل الموت ، وقالت فرقة هو عذاب الآخرة ، وقال الطبري هو يوم بدر ، والحشر و «الموثل » المنجى يقال : وأل الرجل يئل إذا نجا{[7837]} . ومنه قول الشاعر :

لا وألت نفسك خيلتها . . . للعامريين ولم تكلم{[7838]}

ومنه قول الأعشى : [ البسيط ]

وقد أخالس رب البيت غفلته . . . وقد يحاذر مني ثم ما يئل{[7839]}


[7837]:وأل في الأصل بمعنى: لجأ طلبا للنجاة، ومنه: الموئل بمعنى: الملجأ، وفي اللسان: "وقد وأل إليه يئل وألا ووءولا، على فعول: لجأ، وواءل منه، على فاعل: طلب النجاة".
[7838]:البت في التاج واللسان (وأل) ، وفي الطبري، والرواية فيها (لا واءلت نفسك...)، وهوأيضا في (معاني القرآن) للفراء، وفي القرطبي، والرواية فيهما (لا وألت نفسك)، ولم ينسبه أحد، والذي أنشده هو الفراء، وعنه نقل الباقون، قال: "الموئل: المنجى، وهو الملجأن والعرب تقول، إنه ليوائل إلى موضعه وحرزه، وقال الشاعرك المنجى، وهو الملجأ ، والعرب تقول ؛ إنه ليوائل إلى موضعه وحرزه، وقال الشاعر: لا وألت نفسك... البيت، يريدون : لا نجت". وخلى: ترك، والكلم: الجرح، والشاهد أن (وأل) بمعنى لجأ ونجا.
[7839]:البيت من لامية الأعشى المعروفة التي بدأها بقوله: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟ وقبله يقول: إما ترينا حفاة لا نعال لنا إنا كذلك، ما نحفى، وننتعل وأخالس: آخذ الشيء خلسة وسرقة، و ما يئل: ما ينجو. يقول مخاطبا من يتغزل بها: إن هذا الذي ترينه حافيا فتنبو عنه عيناك قد أمتع نفسه بكثيرات من الغانيات، وإنه ليستبي العقلية التي يخاف عليها زوجها ويحاذر فلا ينفعه الحذر. والبيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن) في تفسير قوله تعالى: {لن يجدوا من دونه موئلا}، وهو كالشاهد السابق دليل على أن (وأل يئل) بمعنىك نجا ينجو.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدٞ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِۦ مَوۡئِلٗا} (58)

جرى القرآن على عادته في تعقيب الترهيب بالترغيب والعكسِ ، فلما رماهم بقوارع التهديد والوعيد عطف على ذلك التعريضَ بالتذكير بالمغفرة لعلهم يتفكرون في مرضاته ، ثم التذكير بأنه يشمل الخلق برحمته في حين الوعيد فيؤخر ما توعدهم به إلى حد معلوم إمهالاً للناس لعلهم يرجعون عن ضلالهم ويتدبرون فيما هم فيه من نعم الله تعالى فلعلهم يشكرون ، موجهاً الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفتتحاً باستحضار الجلالة بعنوان الربوبية للنبيء صلى الله عليه وسلم إيماءً إلى أن مضمون الخبر تكريم له ، كقوله : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } [ الأنفال : 33 ] .

والوجه في نظم الآية أن يكون { الغفور } نعتاً للمبتدأ ويكون { ذو الرحمة } هو الخبر لأنه المناسب للمقام ولما بعده من جملة { لو يؤاخذهم } ، فيكون ذكر { الغفور } إدماجاً في خلال المقصود . فخُص بالذكر من أسماء الله تعالى اسم { الغفور } تعريضاً بالترغيب في الاستغفار .

والغفور : اسم يتضمن مبالغة الغفران لأنه تعالى واسع المغفرة إذ يغفر لمن لا يُحصَون ويغفر ذنوباً لا تُحصى إن جاءه عبده تائباً مقلعاً منكسراً ، على أن إمهاله الكفارَ والعصاةَ هو أيضاً من أثر المغفرة إذ هو مغفرة مؤقتة .

وأما قوله : { ذو الرحمة } فهو المقصود تمهيداً لجملة { لو يؤاخذهم بما كسبوا } ، فلذلك كانت تلك الجملة بياناً لجملة { وربك الغفور ذو الرحمة } باعتبار الغفور الخبر وهو الوصف الثاني .

والمعنى : أنهم فيما كسبوه من الشرك والعناد أحرياء بتعجيل العقوبة لكن الله يمهلهم إلى أمد معلوم مقدر . وفي ذلك التأجيل رحمة بالناس بتمكين بعضهم من مهلة التدارك وإعادة النظر ، وفيه استبْقاؤهم على حالهم زمناً .

فوصف { ذو الرحمة } يساوي وصف ( الرحيم ) لأن ( ذو ) تقتضي رسوخ النسبة بين موصوفها وما تضاف إليه .

وإنما عدل عن وصف ( الرحيم ) إلى { ذو الرحمة } للتنبيه على أنه خبر لا نعت تنبيهاً بطريقة تغيير الأسلوب ، فإن اسم ( الرحيم ) صار شبيهاً بالأسماء الجامدة ، لأنه صيغ بصيغة الصفة المشبهة فبعُد عن ملاحظة الاشتقاق فيه واقترب من صنف الصفة الذاتية .

و ( بل ) للإضراب الإبطالي عن مضمون جواب ( لو ) ، أي لم يعجل لهم العذاب إذْ لهم موعد للعذاب متأخرٌ ، وهذا تهديد بما يحصل لهم يوم بدر .

والموْئل : مَفْعل من وَأَلَ بمعنى لَجَأ ، فهو اسم مكان بمعنى الملْجأ .

وأكد النفي ب ( لن ) رداً على إنكارهم ، إذ هم يحسبون أنهم مفلتون من العذاب حين يرون أنه تأخر مدةً طويلة ، أي لأن لا ملجأ لهم من العذاب دون وقت وَعده أو مكان وَعده ، فهو مَلجؤهم . وهذا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، أي هم غير مُفلَتِين منه .