قوله تعالى : { أو لما } . أي حين .
قوله تعالى : { أصابتكم مصيبة } . بأحد .
قوله تعالى : { قد أصبتم مثليها } . ببدر ، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين وقتل المسلمون منهم ببدر سبعين وأسروا سبعين .
قوله تعالى : { قلتم أنى هذا } . من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا .
قوله تعالى : { قل هو من عند أنفسكم } . روى عبيدة السلماني عن علي رضي الله عنه ، قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأساري ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ، فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ، لا بل نأخذ منهم فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فقتل منهم يوم أحد سبعون من أسارى أهل بدر ، فهذا معنى قوله تعالى ( قل هو من عند أنفسكم ) . أي بأخذكم الفداء واختياركم القتل .
يقول تعالى : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } وهي ما أصيب منهم يوم أُحد من قتل السبعين منهم { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يعني : يوم بَدْر ، فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلا وأسروا سبعين أسيرا { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أي : من أين جرى علينا هذا ؟ { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }
قال ابن أبي حاتم : ذكره أبي ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا قُرَاد أبو{[6100]} نوح ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا سِمَاك الحنفي أبو زُميل ، حدثني ابن عباس ، حدثني عُمَر بن الخطاب قال : لما كان يومُ أحد من العام المقبل ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفِدَاء ، فقتل منهم سبعون وفَرَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، وكُسرت رَبَاعِيتُه وهُشمَت البَيْضَة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله عز وجل : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } بأخذكم الفداء .
وهكذا رواه الإمام أحمد{[6101]} عن عبد الرحمن بن غَزْوان ، وهو قُرَاد أبو نوح ، بإسناده ولكن بأطول منه ، وكذا قال الحسن البصري .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة عن ابن عوْن ، عن محمد عن عَبيدة( ح ) قال سُنَيد - وهو حسين - : وحدثني حجاج عن جَرير ، عن محمد ، عن عَبيدة ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : جاء جبريل ، عليه السلام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إن الله قد كَرِه ما صنع قومُك في أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين ، إما أن يُقدموا فتضرب{[6102]} أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء ، على أن يُقْتَل منهم عدّتهم . قال : فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ فذكر ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول الله ، عشائرنا وإخواننا ، ألا نأخذ فداءهم فَنتَقوّى{[6103]} به على قتال عدونا ، ويستشهد منا عدّتهم ، فليس في ذلك ما نكره ؟ قال : فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر .
وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي داود الحَفْري ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن سفيان بن سعيد ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، به . ثم قال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . وروى أبو أسامة عن هشَام نحوه . وروى عن ابن سِيرِين عن عبيدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا{[6104]} .
وقال محمد بن إسحاق ، وابن جريج ، والربيع بن أنس ، والسديِّ : { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } أي : بسبب عصيانكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم ، يعني بذلك الرماة { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا مُعَقبَ لحكمه{[6105]} .
عُطف الاستفهام الإنكاري التعجيبي على ما تقدّم ، فإنّ قولهم : { أنى هذا } ممَّا ينكر وَيَتَعجَّب السامع من صدوره منهم بعد ما عَلِموا ما أتَوا من أسباب المصيبة ، إذ لا ينبغي أن يخفى على ذي فطْنَةٍ ، وقد جاء موقع هذا الاستفهام بعد ما تكرّر : من تسجيل تبعة الهزيمة عليهم بما ارتكبوا من عصيان أمر الرسول ، ومن العجلة إلى الغنيمة ، وبعد أن أمرهم بالرضا بما وقع ، وَذكَّرَهم النصر الواقع يوم بدر ، عطف على ذلك هنا إنكارُ تعجّبهم من إصابة الهزيمة إيّاهم .
( ولَمَّا ) اسم زمان مضمّن معنى الشرط فيدلّ على وجود جوابه لوُجود شرطه ، وهو ملازم الإضافة إلى جملة شرطه ، فالمعنى : قلتم لمَّا أصابتكم مصيبة : أنَّى هذا .
وجملة { قد أصبتم مثليها } صفة « لمصيبة » ، ومعنى أصبتم غَلبتم العدوّ ونلتم منه مِثْلَيْ ما أصابكم به ، يقال : أصاب إذا غلب ، وأصيب إذا غُلِب ، قال قَطَرِيُّ بنُ الفُجَاءةَ :
ثم انصرفت وقد أصَبْتُ ولم أُصَب *** جَذَعَ البصيرة قارِحَ الإقدام
والمراد بمثليها المساويان في الجنس أو القيمة باعتبار جهة المماثلة أي : أنَّكم قد نلتم مثلي ما أصابكم ، والمماثلة هنا مماثلة في القدر والقيمة ، لا في الجنس ، فإنّ رزايا الحرب أجناس : قَتل ، وأسر ، وغَنيمة ، وأسلاب ، فالمسلمون أصابهم يوم أحُد القتل : إذ قُتِل منهم سبعون ، وكانوا قد قَتَلوا من المشركين يومَ بدر سبعين ، فهذا أحد المثلين ، ثم إنّهم أصابوا من المشركين أسرى يوم بدر فذلك مثل آخر في المقدار إذ الأسير كالقتيل ، أو أريد أنّهم يومَ أحُد أصابوا قتلَى إلاّ أنّ عددهم أقلّ فهو مثل في الجنس لا في المقدار والقيمة .
و ( أنّى ) استفهام بمعنى من أين قصدوا به التعجّب والإنكار ، وجملة { قلتم أنى هذا } جواب ( لمّا ) ، والاستفهام بأنَّى هنا مستعمل في التعجّب .
ثم ذُيّل الإنكار والتعجّب بقوله : { قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير } أي إنّ الله قدير على نصركم وعلى خذلانكم ، فلمّا عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدّر الله لكم الخِذلان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.