الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (165)

وقَف اللَّه سبْحانه المؤمنين عَلَى الخَطَأ في قَلَقِهِمْ للمُصِيبة الَّتي نزلَتْ بهم ، وإعراضهم عمَّا نَزَلَ بالكُفَّار ، فقال : { أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ }[ آل عمران :165 ] ، أي : يوم أُحُدٍ { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } ، أيْ : يوم بَدْر ، إذ قتل من الكُفَّار سبعون ، وأسر سَبْعُون ، هذا تفْسِيرُ ابنِ عَبَّاس ، والجمهورِ .

وقال الزَّجَّاج : وَاحِدُ المِثْلَيْن : هو قتْلُ السبعينَ يَوْمَ بَدْر ، والثاني : هو قتل اثنين وعشرين يَوْمَ أحد ، ولا مَدْخَل للأسرى ، لأنهم قد فُدُوا .

و{ أنى } معناه : كَيْفَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ ؟ { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } ، أي : حين خالفتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الرأْيِ ، حينَ رأى أنْ يقيمَ بالمَدينة ، ويترك الكُفَّار بَشَّر مَحْبِسٍ ، فأبيتم إلا الخُرُوجِ ، وهذا تأويلُ الجمهور ، وقالَتْ طائفة : { هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } : إشارةٌ إلى عصيانِ الرُّمَاة ، وتسبيبهم الهَزيمة عَلَى المؤمنين ، وقال عليٌّ والحَسَن : بل ذلك لِمَا قَبِلُوا الفِدَاءَ يَوْمَ بدر ، وذلك أنَّ اللَّه سبحانه أخبرهم على لسانِ نبيِّه بَيْنَ قَتْل الأسرى أو يأخذوا الفِدَاءَ على أنْ يُقْتَلَ منْهم عدَّة الأسرى ، فاختاروا أَخْذَ الفدَاءِ ، ورَضُوا بالشَّهَادةِ ، فقُتِلَ منهم يوْمَ أحدٍ سَبْعُونَ ، قلْتُ : وهذا الحديثُ رواه الترمذيُّ عنْ عليٍّ ( رضي اللَّه عنه ) ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ أحمدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُدِيُّ وعَنِ الضَّحَّاك : { أنى هذا } ، أيْ : بأيِّ ذنب هذا ؟ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } عقوبةً لمعصيتكم لنبيِّكم عليه السلام ، اه .