فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (165)

( أو لما أصابتكم مصيبة ) الألف للاستفهام لقصد التقريع ؛ والمصيبة الغلبة والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد ( قد أصبتم مثليها ) يوم بدر ، وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم احد سبعون وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وكان مجموع القتلى والأسرى يوم بدر مثلى القتلى من المسلمين يوم أحد .

والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصف ما أصابكم منكم قبل ذلك جزعتم و ( قلتم أنى هذا ) أي من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل ونحن نقاتل في سبيل الله ، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد وعدنا الله بالنصر عليهم .

( قل هو من عند أنفسكم ) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عن سؤالهم بهذا الجواب أي هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم من لزوم المكان الذي عينه لهم ، وعدم مفارقتهم للمركز على كل حال .

وقيل إن المراد خروجهم من المدينة ، ويرده أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك وقيل هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل .

وعن علي قال :جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك ان تخيرهم بين أمرين إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فذكر ذلك لهم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ، لا بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم ، فليس في ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسرى أهل بدر .

وهذا الحديث في سنن الترمذي والنسائي ، قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة .

وعن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عنه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله سبحانه وتعالى يعني هذه الآية وأخرجه احمد بأطول منه .

ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله ( ما كان لنبي ان يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) وما روي من بكائه صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبو بكر ندما على أخذ الفداء ولو كان أخذ ذلك بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه ، ولا حصل ما حصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الندم والحزن ، ولا صوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى عمر حيث أشار بقتل الأسرى وقال ما معناه لو نزلت عقوبة لهم لم ينج منها إلا عمر ، والجميع في كتب الحديث والسير .

أقول ويمكن الجمع بأن يقال إن العتاب نزل اولا ثم نزل التخيير لأن العتاب على الشروع والعزم على الفداء ، والتخيير على تمامه ، ويؤيده قوله في الحديث " إن الله قد كره ما صنع قومك " ( إن الله على كل شئ قدير ) ومنه نصركم على الطاعة وترك نصركم مع المخالفة .