الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (165)

قوله : ( اَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ ) [ 165 ] .

المعنى : أحين أصابكم أيها( {[11148]} ) المؤمنون مصيبة ، وهي ما قتل يوم أحد –وأنتم قد أصبتم مثليها أي : مثل المصيبة يعني يوم بدر إذ قتل المسلمون للمشركين سبعين ، وأسروا سبعين وقتل المشركون من المسلمين يوم أحد سبعين ، فالذين ظفر بهم المسلمون مثلاً( {[11149]} ) ، ما ظفر به المشركون ، فمن أين قلتم كيف هذا ؟ ومن أي وجه هذا ؟ أي : من أين أصابنا هذا ؟ كل هذا توبيخ للمؤمنين لقولهم : كيف أصابنا هذا القتل يوم أحد " فقيل له : أتقولون هذا ، وأنتم قد أصبتم يوم بدر مثلي ما أصابكم يوم أحد " ثم( {[11150]} ) قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : كل الذي أصابكم يوم أحد هو من عند أنفسكم( {[11151]} ) . أي : بذنوبكم ، ومخالفتكم أمر النبي( {[11152]} ) صلى الله عليه وسلم إذ ترك الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومضوا في طلب النهب .

قال قتادة : لما قدم أبو سفيان بالمشركين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا ، رأى بقراً تنحر ، فتأولها قتلى في أصحابه ، ورأى سيفه ذا الفقار انقسم ، فكان قتل عمه حمزة( {[11153]} ) ، كان يقال : أسد الله ، ورأى أن كبشاً أغبر قتل ، فكان قتل صاحب لواء المشركين : عثمان ابن أبي طلحة أصيب( {[11154]} ) يومئذ وكان معه لواء المشركين وهو منهم( {[11155]} ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد هذه الرؤية : إنا في جُنَّة حصينة يعني المدينة فدعوهم يدخلون نقاتلهم ، فقال أناس من الأنصار : يا نبي الله إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة( {[11156]} ) ، وقد كنا نمتنع من العرب في الجاهلية ، والإسلام أحق نمتنع فيه فأبرز بنا إلى القوم( {[11157]} ) ، فمضى النبي عليه السلام ولبس لامته وندم القوم على ما كسروا( {[11158]} ) به على النبي صلى الله عليه وسلم فيما أشاروا به فاعتذروا إليه فقال : " إنه ليس للنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ستكون فيكم مصيبة ، قالوا : يا رسول الله خاصة أو عامة ؟ قال سترونها " ( {[11159]} ) .

فقتادة يذهب إلى [ أن ]( {[11160]} ) الذنب الذي عدده الله عليهم في قوله ( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) هو ما أشاروا به من رأي( {[11161]} ) أنفسهم على النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج وكان قد قتل من الأنصار يومئذ ستة وستون ، ومن المهاجرين أربعة( {[11162]} ) .

وروى ابن سيرين أن( {[11163]} ) النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين في أسارى بدر : اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء ، وتقووا به على عدوكم ، فإن قبلتموه قتل منكم سبعون ، أو تقتلوهم ، فقالوا : بل نأخذ الفدية منهم ، ويقتل منا سبعون ، فأخذوا الفدية وقتل منهم يوم أحد سبعون . فيكون( {[11164]} ) المعنى على هذا : قل يا محمد ما أصابكم يوم أحد من القتل فمن عند أنفسكم أي باختياركم أخذ الفدية من السبعين الذين أسرتم ببدر ، ورضاكم أن يقتل فيكم بعددهم وتركتم قتلهم .

وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه : إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إن الله قد كره ما فعل قومك في أخذه الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : إما أن يقدموا ، فتضرب أعناقهم ، أو يأخذوا منهم الفدية( {[11165]} ) على أن يقتل من المؤمنين مثل عدة من أخذت الفدية منه من المشركين ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فقالوا( {[11166]} ) : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ، لا ، بل نأخذ منهم الفدية فنتقوى بها على عدونا ، ويستشهدوا منا بعدتهم ، فليس في ذلك ما نكره فأخذوا الفدية وقتل منهم سبعون يوم أحد( {[11167]} ) ، فذلك قوله ( قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) أي : باختياركم ، ورضاكم ، وفي ذلك نزلت( {[11168]} ) :

( مَا كَانَ لِنَبِيءٍ أَنْ يَّكُونَ لَهُ أَسْرَى )( {[11169]} ) [ أي ] ليس( {[11170]} ) له إلا القتل حتى يتمكن في الأرض ، ثمّ وبخ الله المؤمنين في أخذ الفدية فقال : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ )( {[11171]} ) .


[11148]:- كذا في جميع النسخ وهو خطأ صوابه إصابتكم.
[11149]:- (ب): هو مثلاً هو، وفي (د): مثلاً هو.
[11150]:- ساقط من (ج).
[11151]:- (أ) (ج): من عند أنفسهم.
[11152]:- (ج): أمر نبيكم.
[11153]:- هو أبو عمارة حمزة بن عبد المطلب بن هاشم توفي 3 هـ عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد سادة قريش في الجاهلية والإسلام. انظر: صفة الصفوة 1/370 وأسد الغابة 1/528.
[11154]:- عثمان بن أبي طلحة توفي 3 هـ حامل لواء المشركين في غزوة أُحد رأى النبي صلى الله عليه وسلم موته في صورة كبش مذبوح فكان أن قتل يوم أحد على يد حمزة. انظر: سيرة ابن هشام 2/127.
[11155]:- انظر: كتاب المغازي 1/209 وسيرة ابن هشام 2/62 وصحيح البخاري 5/39، وجامع البيان 4/165.
[11156]:- (أ): طريق.
[11157]:- انظر: جامع البيان 4/162.
[11158]:- كذا في جميع النسخ وصوابه أشاروا 4.
[11159]:- كتاب المغازي 1/214 وسيرة ابن هشام 2/62.
[11160]:- ساقط من (ب) (د).
[11161]:- انظر: جامع البيان 4/164.
[11162]:- (ب) (د): من رأيه.
[11163]:- هو أبو بكر محمد بن سيرين البصري توفي 110 هـ تابعي كان إمام زمانه في العلم والحديث والورع واشتهر بتعبير الرؤية. انظر: تاريخ الثقات 405 وطبقات الفقهاء 90.
[11164]:- انظر: جامع البيان 4/166.
[11165]:- (ب) (د): لفداء.
[11166]:- (أ) (ج): وقالوا.
[11167]:- انظر: جامع البيان 4/166.
[11168]:- انظر: أسباب النزول 136.
[11169]:- الأنفال آية 68.
[11170]:- ساقط من (ج).
[11171]:- انظر: جامع البيان 6/43.