المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

29- يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له ، إن تخضعوا لأوامر الله في السر والعلن ، يجعل الله تعالى في أنفسكم قدرة تفرقون بها بين الحق والباطل ، ويهبكم نصراً ليفصل بينكم وبين أعدائكم ، ويستر سيئاتكم فتذهب ويغفرها لكم ، وهو - سبحانه - صاحب الفضل الكبير دائماً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } ، بطاعته وترك معصيته .

قوله تعالى : { يجعل لكم فرقاناً } ، قال مجاهد : مخرجاً في الدنيا والآخرة ، وقال مقاتل بن حيان : مخرجاً في الدين من الشبهات ، وقال عكرمة : نجاة ، أي يفرق بينكم وبين ما تخافون ، وقال الضحاك : بياناً ، وقال ابن إسحاق : فصلاً بين الحق والباطل ، يظهر الله به حقكم ، ويطفئ بطلان من خالفكم . والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان . قوله تعالى : { ويكفر عنكم سيئاتكم } ، يمح عنكم ما سلف من ذنوبكم .

قوله تعالى : { ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

قال ابن عباس ، والسُّدِّيّ ، ومُجاهِد ، وعِكْرِمة ، والضحاك ، وقَتَادة ، ومُقَاتِل بن حَيَّان : { فُرْقَانًا } مخرجا . زاد مجاهد : في الدنيا والآخرة .

وفي رواية عن ابن عباس : { فُرْقَانًا } نجاة . وفي رواية عنه : نصرا .

وقال محمد بن إسحاق : { فُرْقَانًا } أي : فصلا بين الحق والباطل .

وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم وقد يستلزم ذلك كله ؛ فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره ، وفق لمعرفة الحق من الباطل ، فكان ذلك سبب نصره{[12865]} ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا ، وسعادته يوم القيامة ، وتكفير ذنوبه - وهو محوها - وغفرها : سترها عن الناس - سببًا لنيل ثواب الله الجزيل ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ الحديد : 28 ] .


[12865]:في أ: "نصرته".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين ، أو مخرجا من الشبهات ، أو نجاة عما تحذرون في الدارين ، أو ظهورا يشهر أمركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح . { ويكفّر عنكم سيئاتكم } ويسترها . { ويغفر لكم } بالتجاوز والعفو عنكم . وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر . وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم . { والله ذو الفضل العظيم } تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان ، وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده إنعاما على عمل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

وقوله : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } الآية ، وعد للمؤمنين بشرط الاتقاء والطاعة له ، و { ويجعل لكم فرقاناً } معناه فرقاً بين حقكم وباطل من ينازعكم أي بالنصرة والتأييد عليهم ، و «الفرقان » مصدر من فرق بين الشيئين إذا حال بينهما أو خالف حكمهما ، ومنه قوله { يوم الفرقان }{[5295]} وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان ها هنا بالنجاة ، وقال السدي ومجاهد معناه : مخرجاً ، ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه ، وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون فمن ذلك قول مزرد بن ضرار : [ الخفيف ]

بادر الأفقُ أنْ يَغيبَ فلمّا*** أَظْلَمَ اللّيلُ لمْ يجدْ فُرْقَانا{[5296]}

وقال الآخر : [ الرجز ]

ما لك من طولِ الأسَى فُرقانُ*** بعد قطينٍ رحلوا وبانوا{[5297]}

وقال الآخر : [ الطويل ]

وكيف أرجّي الخلدَ والموتُ طالبي*** وماليَ من كأسِ المنيَّةِ فرقان{[5298]}


[5295]:- من الآية (41) من هذه السورة (الأنفال).
[5296]:- واضح أن يستشهد بهذا البيت والبيتين بعده على أن كلمة (الفرقان) قد تأتي بمعنى: المخرج والنجاة. قال ابن وهب: سألت مالكا عن قوله تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} قال: مخرجا، ثم قرأ: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}. وبادر مُبادرة وبدارا إلى الشيء: أسرع إليه.
[5297]:- لم نعرف قائل هذا البيت. وقطين الدار: ساكنها وأهلها الذين يقيمون فيها. وقطين الله: سكّان حرمه. وبان: من البين وهو البعد.
[5298]:- الخُلْد: الدوام والبقاء- طالبي: يبحث عني ويسعى ورائي. وفرقان: نجاة ومخرج. ولم نقف على قائل البيت.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

استيناف ابتدائي متصل بالآيات السابقة ابتداء من قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه } [ الأنفال : 20 ] الآية وما بعده من الآيات إلى هُنا .

وافتتح بالنداء للاهتمام ، كما تقدم آنفاً .

وخوطب المؤمنون بوصف الإيمان تذكيراً لهم بعهد الإيمان وما يقتضيه كما تقدم آنفاً في نظائِره ، وعقب التحذير من العصيان والتنبيه على سوء عواقبه ، بالترغيب في التقوى وبيان حسن عاقبتها وبالوعد بدوام النصر واستقامة الأحوال إن هم داموا على التقوى .

ففعل الشرط مراد به الدوام ، فإنهم كانوا متقين ، ولكنهم لما حُذروا من المخالفة والخيانة ناسب أن تفرض لهم الطاعة في مقابل ذلك .

ولقد بَدَا حُسنُ المناسبة إذ رُتبتِ على المنهيات تحذيراتٌ من شرور وأضرار من قوله : { إن شر الدواب عند الله الصم البكم } [ الأنفال : 22 ] وقوله { واتقوا فتنة } [ الأنفال : 25 ] الآية ، ورتب على التقوى : الوعد بالنصر ومغفرة الذنوب وسعة الفضل .

والفرقان أصله مصدر كالشكران والغُفران والبُتان ، وهو ما يَفرِق أي يميَز بين شيئين متشابهين ، وقد أطلق بالخصوص على أنواع من التفرقة فأطلق على النصر ، لأنه يفرق بين حاليْن كانا محتَمَلَيْن قبلَ ظهور النصر ، ولُقب القرآنُ بالفرقان ؛ لأنه فَرّقَ بين الحق والباطل ، قال تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } [ الفرقان : 1 ] ولعل اختياره هنا لقصد شموله ما يصلح للمقام من معانيه ، فقد فُسّر بالنصر ، وعن السدي ، والضحاك ، ومجاهد ، الفرقانُ المَخْرَج ، وفي « أحكام ابن العربي » ، عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب أنهم سألوا مالكاً عن قوله تعالى : { يجعل لكم فرقاناً } قال مَخَرجاً ثم قرأ : { ومن يَتَقِ الله يَجْعَلْ له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [ الطلاق : 3 ] ، وفسر بالتمييز بينهم وبين الكفار في الأحوال التي يُستحب فيها التمايز في أحوال الدنيا ، فيشمل ذلك أحوالَ النفس : من الهداية ، والمعرفة ، والرضى ، وانشراح القلب ، وإزالةِ الحِقد والغل والحسد بينهم ، والمكرِ والخداعِ وذميمِ الخلائق .

وقد أشعر قوله : { لكم } أن الفرقان شيء نافع لهم فالظاهر أن المراد منه كل ما فيه مخرج لهم ونجاة من التباس الأحوال وارتباك الأمور وانبهام المقاصد ، فيؤول إلى استقامة أحوال الحياة ، حتى يكونوا مطمئني البالِ منشرحي الخاطر وذلك يستدعي أن يكونوا : منصورين ، غالبين ، بُصراء بالأمور ، كَمَلة الأخلاق سائرين في طريق الحق والرشد ، وذلك هو ملاك استقامة الأمم ، فاختيار الفرقان هنا ، لأنه اللفظ الذي لا يؤدي غيرُه مُؤداه في هذا الغرض وذلك من تمَام الفصاحة .

والتقوى تشمل التوبة ، فتكفير السيئات يصح أن يكون المراد به تكفير السيئات الفارطة التي تعقبها التقوى . ومفعول { يغفر لكم } ، محذوف وهو ما يستحق الغفران وذلك هو الذنب ، ويتعين أن يحمل على نوع من الذنوب . وهو الصغائر التي عبر عنها باللم ، ويجوز العكس بأن يراد بالسيئات الصغائِر وبالمغفرة مغفرة الكبائر بالتوبة المعقبَة لها ، وقيل التكفير الستر في الدنيا ، والغفران عدم المؤاخذة بها في الآخرة ، والحاصل أن الإجمال مقصود للحث على التقوى وتحقق فائِدتها والتعريض بالتحذير من التفريط فيها ، فلا يحصل التكفير ولا المغفرة بأي احتمال .

وقوله : { والله ذو الفضل العظيم } تذييل وتكميل وهو كناية عن حصول منافع أخرى لهم من جراء التقوى .