محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

ولما حذر تعالى ، فيم تقدم ، عن الفتنة بالأموال والأولاد ، بشر من اتقاه في الافتتان بهما ، وفي غيره بقوله :

29 { يأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم }

{ يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم } . قال المهايميّ : أشار تعالى إلى أن من ترك الخيانة ، واستجاب لله ، فلا يخاف على أهله وماله وعرضه ، أي كما خاف أبو لبابة . فإن من اتقاه تعالى فلا يجترئ أحد على أهله وحوزته ، لأنه يؤتى فرقانا يفارق به سائر الناس من المهانة والإعزاز . انتهى .

وقيل : فرقانا أي نصرا ، لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وبين الكفر بإذلال حزبه ، والإسلام بإعزاز أهله ، ومنه قوله تعالى : { يوم الفرقان } {[4350]} . وقيل : بيانا وظهورا يشهر أمركم ، ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم : بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان ، أي طلع الفجر . وقيل : فصلا بين الحق والباطل ، ومخرجا من الشبهات . كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ، والله غفور رحيم } {[4351]} .

والفرقان ( كالفرق ) ، مصدر ( فَرَقَ ) ، أي فصل بين الشيئين ، سواء كان بما يدركه البصر ، أو بما تدركه البصيرة . إلا أن الفرقان أبلغ ، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة .


[4350]:[8 / الأنفال / 41].
[4351]:[57 / الحديد / 28].