اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

قوله تعالى : { يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } الآية .

لمَّا حذَّر من الفتنة بالأموال ، والأولاد ، رغَّب في التَّقوى الموجبة لترك الميل ، والهوى في محبَّة الأموال والأولاد .

فإن قيل : إدخالُ الشَّرط في الحكم إنَّما يحسن في حقِّ من كان جاهلاً بعواقب الأمورِ وذلك لا يليق باللَّهِ تعالى .

فالجوابُ : أنَّ قولنا إن كان كذا كان كذا لا يفيدُ إلاَّ كون الشَّرطِ مستلزماً للجواب ، فإمَّا أنَّ وقوع الشَّرط مشكوك فيه ، أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللَّفظ ، سلَّمنا أنَّه يفيد هذا الشَّك إلاَّ أنه تعالى يُعامل العباد في الجزاء معاملة الشَّاك ، وعليه يخرَّج قوله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين } [ محمد : 31 ] .

قال أبو العباس المقرئ : " الفرقان " على أربعة أوجهٍ :

الأول : الفرقان النور ، كهذه الآية أي : يجعل لكم نوراً في قلوبكم تُفرِّقون به بين الحلال والحرام .

والثاني : الحجة .

قال تعالى : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان } [ البقرة : 53 ] أي : الحجة .

الثالث : القرآنُ . قال تعالى { تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ } [ الفرقان : 1 ] أي : القرآن .

الرابع : يوم بدر قال تعالى { يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان } [ الأنفال : 41 ] أي : يوم بدر .

فصل

ومعنى الآية : إن تتَّقُوا الله بطاعته وترك معصيته يجعل لكم فرقاناً .

قال مجاهد : " مَخْرَجاً في الدُّنيا والآخرة من الضَّلال " {[17283]} وقال مقاتل : " مَخْرَجاً في الدَِّين من الشُّبهات " {[17284]} .

وقال عكرمة " نجاة ، أي : يفرق بينكم وبين ما تخافون " {[17285]} .

وقال الضحاك : " بياناً " {[17286]} .

وقال ابن إسحاق : " فصلاً بين الحق والباطل . يُظهر الله به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم " قال مُزرد بن ضرار : [ الخفيف ]

بَادَرَ الأفْق أنْ يَغيبَ فَلَمَّا *** أظْلَمَ اللَّيْلُ لَمْ يَجِدْ فُرقَانَا{[17287]}

قال آخر : [ الرجز ]

مَا لَك مِنْ طُولِ الأسَى فُرقَانُ *** بَعْدَ قَطِينٍ رَحَلُوا وبَانُوا{[17288]}

وقال آخر : [ الطويل ]

وكَيْفَ أرَجِّي الخُلْدَ والمَوْتُ طَالِبِي *** ومَا لِيَ مِنْ كَأسٍ المَنِيَّةِ فُرْقَانُ{[17289]}

والفرقان : مصدر كالرُّجحان والنُّقصان ، وتقدم الكلام عليه أول البقرة .


[17283]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/223) عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/324) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ. وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/243).
[17284]:انظر معالم التنزيل للبغوي (2/243).
[17285]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/224) وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/243) عن عكرمة.
[17286]:انظر المصادر السابقة.
[17287]:ينظر: المحرر الوجيز 8/47، البحر 4/480، الدر المصون 3/414.
[17288]:ينظر: المحرر الوجيز 8/47، الدر المصون 3/414 والقرطبي 7/396.
[17289]:ينظر: المحرر الوجيز 8/47، والبحر المحيط 4/481، والدر اللقيط 4/486، والدر المصون 3/414 وتفسير القرطبي 7/251.