المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

وقوله : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } الآية ، وعد للمؤمنين بشرط الاتقاء والطاعة له ، و { ويجعل لكم فرقاناً } معناه فرقاً بين حقكم وباطل من ينازعكم أي بالنصرة والتأييد عليهم ، و «الفرقان » مصدر من فرق بين الشيئين إذا حال بينهما أو خالف حكمهما ، ومنه قوله { يوم الفرقان }{[5295]} وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان ها هنا بالنجاة ، وقال السدي ومجاهد معناه : مخرجاً ، ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه ، وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون فمن ذلك قول مزرد بن ضرار : [ الخفيف ]

بادر الأفقُ أنْ يَغيبَ فلمّا*** أَظْلَمَ اللّيلُ لمْ يجدْ فُرْقَانا{[5296]}

وقال الآخر : [ الرجز ]

ما لك من طولِ الأسَى فُرقانُ*** بعد قطينٍ رحلوا وبانوا{[5297]}

وقال الآخر : [ الطويل ]

وكيف أرجّي الخلدَ والموتُ طالبي*** وماليَ من كأسِ المنيَّةِ فرقان{[5298]}


[5295]:- من الآية (41) من هذه السورة (الأنفال).
[5296]:- واضح أن يستشهد بهذا البيت والبيتين بعده على أن كلمة (الفرقان) قد تأتي بمعنى: المخرج والنجاة. قال ابن وهب: سألت مالكا عن قوله تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} قال: مخرجا، ثم قرأ: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}. وبادر مُبادرة وبدارا إلى الشيء: أسرع إليه.
[5297]:- لم نعرف قائل هذا البيت. وقطين الدار: ساكنها وأهلها الذين يقيمون فيها. وقطين الله: سكّان حرمه. وبان: من البين وهو البعد.
[5298]:- الخُلْد: الدوام والبقاء- طالبي: يبحث عني ويسعى ورائي. وفرقان: نجاة ومخرج. ولم نقف على قائل البيت.