فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

جعل سبحانه التقوى شرطاً في الجعل المذكور ، مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جرياً على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضاً . والتقوى : اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه . والفرقان : ما يفرق به بين الحق والباطل ، والمعنى : أنه يجعل لهم من ثبات القلوب ، وثقوب البصائر ، وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس . وقيل : الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه ، ومنه قول الشاعر :

ما لك من طول الأسى فرقان *** بعد قطين رحلوا وبانوا

ومنه قول الآخر :

وكيف أرجى الخلد والموت طالبي *** وما لي من كأس المنية فرقان

وقال الفراء : المراد بالفرقان الفتح والنصر . قال ابن إسحاق : الفرقان الفصل بين الحق والباطل ، وبمثله قال ابن زيد ، وقال السديّ : الفرقان النجاة ، ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة . قوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } وبه قال مجاهد ومالك بن أنس .

{ وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ } أي : يسترها حتى تكون غير ظاهرة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ما اقترفتم من الذنوب . وقد قيل إن المراد بالسيئات : الصغائر ، وبالذنوب التي تغفر : الكبائر . وقيل المعنى : أنه يغفر لهم ما تقدّم من الذنوب وما تأخر { والله ذُو الفضل العظيم } فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب .

وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا } قال : هو المخرج . وأخرج ابن جرير عنه ، قال : هو : النجاة . وأخرج ابن جرير ، عن عكرمة ، مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : هو النضر .