البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكّفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم } فرقاناً قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدّي وابن قتيبة ومالك فيما روي عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب مخرجاً ، وقرأ مالك { ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً } والمعنى مخرجاً في الدّين من الضلال ، وقال مزرد بن ضرار :

بادر الأفق أن يغيب فلما *** أظلم الليل لم يجد فرقانا

وقال الآخر :

ما لك من طول الأسى فرقان *** بعد قطين رحلوا وبانوا

وقال الآخر :

وكيف أرجى الخلد والموت طالبي *** وما لي من كأس المنية فرقان

وقال ابن زيد وابن إسحاق فصلاً بين الحق والباطل ، وقال قتادة وغيره : نجاة ، وقال الفرّاء فتحاً ونصراً وهو في الآخرة يدخلكم الجنة والكفار النار ، وقال ابن عطية : فرقاً بين حقّكم وباطل من ينازعكم أي بالنصر والتأييد عليهم والفرقان مصدر من فرق بين الشيئين حال بينهما ، وقال الزمخشري : نصراً لأنه يفرّق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ومنه قوله تعالى { يوم الفرقان } أو بياناً وظهوراً يشهد أمركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض تقول بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي طلع الفجر أو مخرجاً من الشبهات وتوفيقاً وشرحاً للصدور أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلاً ومزية في الدنيا والآخرة انتهى ، ولفظ { فرقاناً } مطلق فيصلح لما يقع به فرق بين المؤمنين والكافرين في أمور الدنيا والآخرة والتقوى هنا إن كانت من اتقاء الكبائر كانت السيئات الصغائر ليتغاير الشرط والجواز وتكفيرها في الدنيا ومغفرتها إزالتها في القيامة وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار ، وتقدّم تفسير والله ذو الفضل العظيم في البقرة .