قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً } أي : خلقته من طين أنا جئت به ، وذلك ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن الله تعالى بعث إبليس حتى أخذ كفاً من تراب الأرض من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فمن خلقه من العذب فهو سعيد ، وإن كان ابن كافرين ، ومن خلقه من الملح فهو شقي وإن كان ابن نبي .
يذكر تعالى عَدَاوَةَ إبليس - لعنه الله - لآدم ، عليه السلام ، وذريته ، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم ، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود ، فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له ؛ افتخارًا عليه واحتقارًا له { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } كما قال في الآية الأخرى : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هََذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد تمادي هؤلاء المشركين في غيهم وارتدادهم عتوّا على ربهم بتخويفه إياهم تحقيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم ، حين أمره ربه بالسجود له فعصاه وأبى السجود له ، حسدا واستكبارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِيلاً وكيف صدّقوا ظنه فيهم ، وخالفوا أمر ربهم وطاعته ، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم .
ويعني بقوله وَإذْ قُلْنا للْمَلائِكَةِ : واذكر إذ قلنا للملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا يقول : لمن خلقته من طين فلما حذفت «مِن » تعلّق به قوله خَلَقْتَ فنصب ، يفتخر عليه الجاهل بأنه خُلِق من نار ، وخلق آدم من طين . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعث ربّ العزّة تبارك وتعالى إبليس ، فأخذ من أديم الأرض ، من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فكل شيء خُلق من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكلّ شيء خَلقه من مِلحها فهو صائر إلى الشقاوة وإن كان ابن نبيين ومن ثم قال إبليس أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا : أي هذه الطينة أنا جئت بها ، ومن ثم سُمّي آدم . لأنه خُلق من أديم الأرض .
عطف على جملة { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } [ الإسراء : 60 ] أي واذكر إذ قلنا للملائكة . والمقصود من هذا هو تذكير النبي بما لقي الأنبياء قبله من معاندة الأعداء والحسدة من عهد آدم حين حسده إبليس على فضله . وأنهم لا يَعدمون مع ذلك معترفين بفضلهم وهم خيرة زمانهم كما كانت الملائكة نحو آدم عليه السلام ، وأن كلا الفريقين في كل عصر يمُتّ إلى أحد الفريقين الذي في عهد آدم ، فلفريق الملائكة المؤمنون ولفريق الشيطان الكافرون ، كما أومَأ إليه قوله تعالى : { قال اذهب فمن تبعك منهم } [ الإسراء : 63 ] الآية ، ففي ذلك تسلية للنبيء عليه الصلاة والسلام . فأمْرُ الله نبيئه بأن يذكر ذلك يتضمن تذكيره إياه به ، وذكر النبي ذلك موعظةٌ للناس بحال الفريقين لينظر العاقل أين يضع نفسه .
وتفسير قصة آدم وبيان كلماتها مضى في سورة البقرة وما بعدها .
والاستفهام في { أأسجد } إنكار ، أي لا يكون .
وجملة { قال أأسجد } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأن استثناء إبليس من حكم السجود لم يفد أكثر من عدم السجود . وهذا يثير في نفس السامع أن يسأل عن سبب التخلف عن هذا الحكم منه ، فيجاب بما صدر منه حين الاتصاف بعدم السجود أنه عصيان لأمر الله ناشىء عن جهله وغروره .
وقوله : { طيناً } حال من اسم الموصول ، أي الذي خلقته في حال كونه طيناً ، فيفيد معنى أنك خلقته من الطين . وإنما جعل جنس الطين حالاً منه للإشارة إلى غلبة العنصر الترابي عليه لأن ذلك أشد في تحقيره في نظر إبليس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.