المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

8- ومن الكافرين قوم آخرون من الناس يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، يظهرون الإيمان فيقولون : إننا آمنا بالله وبيوم القيامة ، وليسوا بصادقين في قولهم ، فلا يدخلون في جماعة المؤمنين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله } . نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ، ومعتب بن قشير ، وجد بن قيس وأصحابهم حيث أظهروا كلمة الإسلام ليسلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود ، والناس جمع إنسان سمي به لأنه عهد إليه فنسي كما قال الله تعالى ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ) وقيل لظهوره من قولهم : آنست أي أبصرت ، وقيل لأنه يستأنس به

قوله تعالى : { وباليوم الآخر } . أي بيوم القيامة .

قوله تعالى : { وما هم بمؤمنين } أي يخالفون الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ، ثم عرّف حال الكافرين بهاتين الآيتين ، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة ، كل منها نفاق ، كما أنزل{[1254]} سورة براءة فيهم ، وسورة المنافقين فيهم ، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور ، تعريفا لأحوالهم لتجتنب ، ويجتنب من تلبس{[1255]} بها أيضًا ، فقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }

النفاق : هو إظهار الخير وإسرار الشر ، وهو أنواع : اعتقادي ، وهو الذي يخلد صاحبه في النار ، وعملي وهو من أكبر الذنوب ، كما سيأتي تفصيله{[1256]} في موضعه ، إن شاء الله تعالى ، وهذا كما قال ابن جريج : المنافق يخالف قَوْلُه فِعْلَهُ ، وسِرّه علانيته ، ومدخله مخرجه ، ومشهده مَغِيبه .

وإنما نزلت صفات المنافقين في السّور المدنية ؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق ، بل كان خلافه ، من الناس من كان يظهر الكفر مُسْتَكْرَها ، وهو في الباطن مؤمن ، فلمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج ، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام ، على طريقة مشركي العرب ، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم ، وكانوا ثلاث قبائل : بنو قَيْنُقَاع حلفاء الخزرج ، وبنو النَّضِير ، وبنو قُرَيْظَة حلفاء الأوس ، فلمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج ، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سَلام ، رضي الله عنه ، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا ؛ لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف ، بل قد كان ، عليه الصلاة والسلام ، وَادَعَ اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة ، فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته ، وأعلى الإسلام وأهله ، قال عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وكان رأسا في المدينة ، وهو من الخزرج ، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية ، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه عليهم ، فجاءهم الخير وأسلموا ، واشتغلوا عنه ، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله ، فلما كانت وقعة بدر قال : هذا أمر قد تَوَجَّه فأظهر الدخول في الإسلام ، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته ، وآخرون من أهل الكتاب ، فمن ثَمّ وُجِد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد ، لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرَهًا ، بل يهاجر ويترك ماله ، وولده ، وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة .

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكْرِمة ، أو سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } يعني : المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم .

وكذا فسَّرها بالمنافقين أبو العالية ، والحسن ، وقتادة ، والسدي .

ولهذا نبَّه الله ، سبحانه ، على صفات المنافقين لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر ، وهذا من المحذورات الكبار ، أن يظن بأهل الفجور خَيْر ، فقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } أي : يقولون ذلك قولا ليس وراءه شيء آخر ، كما قال تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } [ المنافقون : 1 ] أي : إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط ، لا في نفس الأمر ؛ ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها ؛ كما أكَّدوا قولهم : { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ } وليس الأمر كذلك ، كما أكْذبهم الله في شهادتهم ، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم ، بقوله : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] ، وبقوله { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }

/خ20


[1254]:في جـ: "كما أنزلت".
[1255]:في جـ: "يتلبس".
[1256]:في جـ: "تفسيره".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

قال أبو جعفر : أما قوله : وَمِنَ النّاسِ فإن في الناس وجهين : أحدهما أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه ، وإنما واحده إنسان وواحدته إنسانة . والوجه الاَخر : أن يكون أصله «أُناس » أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها ، ثم دخلتها الألف واللام المعرّفتان ، فأدغمت اللام التي دخلت مع الألف فيها للتعريف في النون ، كما قيل في : لكنّ هُوَ اللّهُ رَبي على ما قد بينا في اسم الله الذي هو الله .

وقد زعم بعضهم أن الناس لغة غير أناس ، وأنه سمع العرب تصغره نُوَيْس من الناس ، وأن الأصل لو كان أناس لقيل في التصغير : أُنَيْس ، فردّ إلى أصله .

وأجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق ، وأن هذه الصفة صفتهم . ذكر بعض من قال ذلك من أهل التأويل بأسمائهم :

حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَبالْيَوْمِ الاَخرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنينَ يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم . وقد سُمّي في حديث ابن عباس هذا أسماؤهم عن أبيّ بن كعب ، غير أني تركت تسميتهم كراهة إطالة الكتاب بذكرهم .

حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَبالْيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُم بِمُؤْمِنِينَ حتى بلغ : فَمَا رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كَانُوا مُهْتَدِينَ قال : هذه في المنافقين .

حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هذه الآية إلى ثلاث عشرة في نعت المنافقين .

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن إسماعيل السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة ، وعن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : وَمِنَ الناسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَباليَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُمْ بِمؤْمِنِينَ هم المنافقون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَبالْيَوْمِ الاَخِرِ إلى : فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرضا وَلَهُمُ عَذَابٌ ألِيمٌ قال : هؤلاء أهل النفاق .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَباليَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ قال : هذا المنافق يخالف قولُه فعلَه وسرّه علانيَته ومدخلُه مخرجَه ومشهدُه مغيَبه .

وتأويل ذلك أن الله جل ثناؤه لمّا جمع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أمره في دار هجرته واستقر بها قرارُه وأظهر الله بها كلمته ، وفشا في دور أهلها الإسلام ، وقهر بها المسلمون من فيها من أهل الشرك من عبدة الأوثان ، وذلّ بها من فيها من أهل الكتاب أظهر أحبار يهودها لرسول الله صلى الله عليه وسلم الضغائن وأبدوا له العداوة والشنآن حسدا وبغيا إلا نفرا منهم ، هداهم الله للإسلام فأسلموا ، كما قال الله جل ثناؤه : وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَردّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمانِكُمْ كُفّارا حَسَدا منْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمْ الحَقّ وطابقهم سرّا على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبغيهم الغوائل قومٌ من أراهط الأنصار الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وكانوا قد عتوا في شركهم وجاهليتهم قد سُمّوا لنا بأسمائهم ، كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم وأنسابهم . وظاهروهم على ذلك في خفاء غير جهار حذار القتل على أنفسهم والسباء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وركونا إلى اليهود ، لما هم عليه من الشرك وسوء البصيرة بالإسلام . فكانوا إذا لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به من أصحابه ، قالوا لهم حذارا على أنفسهم : إنا مؤمنون بالله وبرسوله وبالبعث ، وأعطوهم بألسنتهم كلمة الحق ليدرءوا عن أنفسهم حكم الله فيمن اعتقد ما هم عليه مقيمون من الشرك لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من شركهم ، وإذا لقوا إخوانهم من اليهود وأهل الشرك والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به فخلوا بهم ، قالوا : إنّا مَعَكُمْ إنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ فإياهم عنى جل ذكره بقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا باللّهِ وَباليَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يعني بقوله تعالى خبرا عنهم «آمّنا بالله » : صدقنا بالله . وقد دللنا على أن معنى التصديق فيما مضى قبل من كتابنا هذا . وقوله : وَباليَوْمِ الاَخرِ يعني بالبعث يوم القيامة . وإنما سُمِي يوم القيامة اليوم الاَخر : لأنه آخر يوم ، لا يوم بعده سواه .

فإن قال قائل : وكيف لا يكون بعده يوم ، ولا انقطاع للاَخرة ، ولا فناء ، ولا زوال ؟ .

قيل : إن اليوم عند العرب إنما سمي يوما بليلته التي قبله ، فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسمّ يوما ، فيوم القيامة يوم لا ليل له بعده سوى الليلة التي قامت في صبيحتها القيامة ، فذلك اليوم هو آخر الأيام ، ولذلك سماه الله جل ثناؤه : اليَوْم الاَخر ، ونعته بالعقيم ، ووصفه بأنه يوم عقيم لأنه لا ليل بعده .

وأما تأويل قوله : : وَما هُمْ بِمُؤْمنينَ ونفيه عنهم جل ذكره اسم الإيمان ، وقد أخبر عنهم أنهم قد قالوا بألسنتهم آمنّا بالله وباليوم الاَخر فإن ذلك من الله جل وعز تكذيب لهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الإيمان والإقرار بالبعث ، وإعلام منه نبيه صلى الله عليه وسلم أن الذي يبدونه له بأفواههم خلاف ما في ضمائر قلوبهم ، وضد ما في عزائم نفوسهم . وفي هذه الآية دلالة واضحة على بطول ما زعمته الجهمية من أن الإيمان هو التصديق بالقول دون سائر المعاني غيره . وقد أخبر الله جل ثناؤه عن الذين ذكرهم في كتابه من أهل النفاق أنهم بألسنتهم : آمَنّا باللّهِ وَبالْيَوْمِ الاَخرِ ثم نفى عنهم أن يكونوا مؤمنين ، إذ كان اعتقادهم غير مصدق قيلهم ذلك . وقوله : وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يعني بمصدقين فيما يزعمون أنهم به مصدقون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( 8 )

كان أصل النون أن تكسر لالتقاء الساكنين ، لكنها تفتح مع الألف واللام . ومن قال : استثقلت كسرتان تتوالى في كلمة على حرفين فمعترض بقولهم من ابنك ومن اسمك وما أشبهه .

واختلف النحويون في لفظ { الناس } فقال قوم : «هي من نسي فأصل ناس نسي قلب فجاء نيس تحركت الياء وانفتح ، ما قبلها فانقلبت ألفاً فقيل ناس ، ثم دخلت الألف واللام » .

وقال آخرون : ناس اسم من أسماء الجموع دون هذا التعليل ، دخلت عليه الألف واللام .

وقال آخرون : «أصل ناس أناس دخلت الألف واللام فجاء الأناس ، حذفت الهمزة فجاء الناس أدغمت اللام في النون لقرب المخارج » . وهذه الآية نزلت في المنافقين . ( {[209]} )

وقوله تعالى : { من يقول آمنا بالله } رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ { من } ومعناها ، وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة ، ولا يجوز ان يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحيد ، لو قلت ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز .

وسمى الله تعالى يوم القيامة { اليوم الآخر } لأنه لا ليل بعده ، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل ، ثم نفى تعالى الإيمان عن المنافقين ، وفي ذلك رد على الكرامية( {[210]} ) في قولهم إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب .


[209]:- بدأ سبحانه سورة البقرة بذكر المؤمنين، وبيان صفاتهم لفضلهم وشرفهم، ثم أتبعهم بذكر الكافرين لأن الكفر ضد الإيمان، وضد الشيء أقرب خطورا بالبال، وأخر ذكر المنافقين لأنهم جمعوا بين الإيمان ظاهرا والكفر باطنا، ولما كان المنافقون يشتبهون على الناس في أمرهم، لتلونهم، وكثرة صفات نفاقهم، أطنب سبحانه في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق، كما أنزل فيهم سورة (براءة) وسورة (المنافقون)، وذكر منهم في سورة (النور)، والغرض من ذلك تنبيه المؤمنين ليحترزوا من مكايدهم، وليجنبوا صفاتهم- والنفاق وهو من الألفاظ الإسلامية نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، والمراد هنا الأول.
[210]:- بفتح الكاف وتشديد الراء نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرّام السجستاني- وقولهم هذا استندوا فيه إلى قوله تعالى: [فأثابهم الله بما قالوا] وإلى قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وهذا منهم جمود، وترك للنظر فيما نطق به الكتاب والسنة، من اعتبار العمل مع القول والاعتقاد، وما أكثر ذلك، نسأل الله الهداية والتوفيق.