فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ} (8)

{ ومن الناس } جمع إنسان أو اسم جمع لإنسان قال سيبويه والجمهور ، وأصله الناس وذهب الكسائي إلى أنه اسم تام ، وقاله سلمة كل من ناس وأناس مادة مستقلة ، والفرق بين الجمع واسم الجمع أن اسم الجمع ما دل على ما فوق الاثنين ولم يكن على أوزان الجموع سواء كان له مفردا أو لا ويشترط فيه أيضا أن لا يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ولا بالياء كزنج وزنجي ، فإنه اسم جنس جمعي ، ويعرف باطراد تصغيره من غير رد إلى المفرد ، وقد يراد باسم الجمع الجمع الوارد على خلاف القياس ، وهذا في عرف النحاة ، وأما أهل اللغة فاسم الجمع عندهم يسمى جمعا حقيقة ذكره الخفاجي سمي به لأنه عد إليه فنسي أو لأنه يستأنس بمثله ، ولام التعريف فيه للجنس أو للعهد .

{ من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص ، ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص ، ثم ذكر ثالثا المنافقين في الآيات الثلاث عشرة وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى ، وفي الباطن الطائفة الثانية ، ولذا نزل فيهم { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } قيل نزلت في عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير وجد بن قيس وأصحابهم ، والمراد باليوم الآخر ، الوقت الذي لا ينقطع بل هو دائم أبدا وهو يوم القيامة { وما هم بمؤمنين } نفي عنهم الإيمان بالكلية في جميع الأزمنة كما تفيده الجملة الاسمية ففيه من التوكيد والمبالغة ما ليس في غيره .