قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( تفرغ كلمات الله الآن للحديث عن المنافقين بعد أن فرغت من الحديث عن المؤمنين ثم الكافرين في آيات قلائل ، لكن دور الكلام عن المنافقين يستنفذ قدرا أكبر من البيان والكشف والتوضيح بما يقتضي قدرا أكبر من الكلمات القرآنية المؤثرة الرائعة ، قال مجاهد رحمه الله في هذا الصدد : نزلت أربع آيات من سورة البقرة في المؤمنين واثنتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين وبذلك فإن هذه الآيات وما بعدها تعرض لصنف ثالث من البشر المضطرب الذي فسدت فيه القلوب والفطر فباءت تستمرىء الغش والباطل ، وتفارق كل مظاهر الخداع والتدسس ، هذا الصنف من البشر الآسن ينفر من الصدق وسلامة المسعى في صراحة مكشوفة ، ويأبى إلا التعامل المريب وهو يتلصص في الظلام أو ساعة غفلة الناس .
هؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون غير ما يبطنون والذين تندد بهم هذه الآيات تنديدا يكشف عن مكنون قلوبهم المريضة الجائفة ، فيقول سبحانه : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( الناس في اللغة أصلها أناس مخفف وقد ورد في معناها جملة أقوال أقتضب منها ثلاثة ، أولها أنها من النوس ومعناه التذبذب والحركة ، والناس شأنهم أن يدأبوا على التحرك والتذبذب في فعالية لا تنقطع .
ثانيهما : أن الناس من النسيان ، وأصل ذلك الفعل نسي ، ومعلوم أن الإنسان مبني على النسيان حتى إن أحدا منن البشر لا يتجرد عن هذه الحقيقة الأصيلة ، وهي حقيقة لصيقة بطبع الإنسان فلا تبرحه ، وأول الخلق كافة آدم عليه السلام كان قد نسي وقال الله سبحانه فيه : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ( .
ثالثهما : أن الإنسان من الأنس أو الإيناس فإن الإنسان كائن مستأنس بمن حوله من أفراد أو جماعات بشرية وفي ذلك يقول الشاعر :
وما سمي الإنسان إلا لأنسه *** ولا القلب إلا أنه ينقلب
هذه الآية جاءت لتكشف عن طبيعة المنافقين الذين يكتمون في دخائلهم الكفر ثم يتظاهرون في محاكاة مصطنعة أنهم مؤمنون ، وذلك حكم قرآني حاسم وهو أن هذا الصنف من الناس كفرة وأنهم جاحدون كاذبون ، فهم يكذبون على الله ويكذبون على المؤمنين ، إذ يتظاهرون في تقول متكلف مكذوب أنهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر ، والله سبحانه يشهد أنهم كذابون وأنهم لم يلجوا حومة الإيمان وما بارحوا دائرة الكفر ، يتضح ذلك من قوله جل وعلا : ( وما هم بمؤمنين( .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.