قوله تعالى : { وإذا سمعوا اللغو } القبيح من القول ، { أعرضوا عنه } وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون : تباً لكم تركتم دينكم ، فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم ، { وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } لنا ديننا ولكم دينكم ، { سلام عليكم } ليس المراد منه سلام التحية ، ولكنه سلام المتاركة ، معناه : سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم والقبح من القول ، { لا نبتغي الجاهلين } أي : دين الجاهلين ، يعني : لا نحب دينكم الذي أنتم عليه . وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال .
وقوله : { وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ } أي : لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [ 0الفرقان : 72 ] .
{ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } أي : إذا سَفه عليهم سَفيه ، وكلمهم بما لا يَليقُ بهم الجوابُ عنه ، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح ، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب . ولهذا قال عنهم : إنهم قالوا : { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } أي : لا نُريد طَريق الجاهلين ولا نُحبّها .
قال محمد بن إسحاق في السيرة : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك ، من النصارى ، حين{[22352]} بلغهم خبره من الحبشة . فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وساءلوه - ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة - فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا ، دعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا{[22353]} لهم : خَيَّبَكُم الله مِنْ ركب . بعثكم مَنْ وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم{[22354]} بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ؛ ما نعلم ركبًا أحمق منكم . أو كما قالوا لهم . فقالوا [ لهم ]{[22355]} سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نَألُ أنفسَنا خيرًا{[22356]} .
قال : ويقال : إن النفر النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أيّ ذلك كان{[22357]} .
قال : ويقال - والله أعلم - إن فيهم نزلت هذه الآيات : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } .
قال : وقد سألت الزهري عن هذه الآيات فيمن أنزلْن{[22358]} ، قال : ما زلتُ أسمع من علمائنا أنهن أنزلهن{[22359]} في النجاشي وأصحابه ، رضي الله عنهم ، والآيات التي{[22360]} في سورة المائدة : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } إلى قوله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [ المائدة : 82 ، 83 ]
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب اللغو ، وهو الباطل من القول ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الجاهِلِينَ لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم ، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك .
وقال آخرون : عُنِي باللغو في هذا الموضع : ما كان أهل الكتاب ألحقوه في كتاب الله ، مما ليس هو منه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا . . . إلى آخر الاَية ، قال : هذه لأهل الكتاب ، إذا سمعوا اللغو الذي كتب القوم بأيديهم مع كتاب الله ، وقالوا : هو من عند الله ، إذا سمعه الذين أسلموا ، ومرّوا به يتلونه ، أعرضوا عنه ، وكأنهم لم يسمعوا ذلك قبل أن يؤمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا مسلمين على دين عيسى ، ألا ترى أنهم يقولون : إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن مجاهد وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ قال : نزلت في قوم كانوا مشركين فأسلموا ، فكان قومهم يُؤْذونهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جويرية ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ ، وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ قال : كان ناس من أهل الكتاب أَسْلَموا ، فكان المشركون يؤذونهم ، فكانوا يصفحون عنهم ، يقولون : سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الجاهِلِينَ .
وقوله : أعْرَضُوا عَنْهُ يقول : لم يصغوا إليه ولم يستمعوه وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ وهذا يدلّ على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع ، إنما هو ما قاله مجاهد ، من أنه سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم ، وأنهم أجابوهم بالجميل من القول لَنا أعمالُنا قد رضينا بها لأنفسنا ، وَلَكُمْ أعمالُكُمْ قد رضيتم بها لأنفسكم . وقوله : سَلامٌ عَلَيْكُمْ يقول : أَمَنة لكم منا أن نُسابّكم ، أو تسمعوا منا ما لا تحبون لا نَبْتَغي الجاهِلِينَ يقول : لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.