السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ} (55)

ولما ذكر الله أنّ السماح بما تضنّ النفوس به من فضول الأموال من أمارات الإيمان أتبعه أنّ خزن ما تبذله الأنفس من فضول الأقوال من علامات العرفان بقوله تعالى : { وإذا سمعوا اللغو } أي : ما لا ينفع في دين ولا دنيا من شتم وتكذيب وتعيير ونحوه { أعرضوا عنه } تكرّماً عن الخنا ، وقيل اللغو : القبيح من القول ؛ وذلك أنّ المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون لهم تباً لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم { وقالوا } وعظاً وتسميعاً لقائله { لنا } خاصة { أعمالنا } لا تثابون على شيء منها ولا تعاقبون { ولكم } أي : خاصة { أعمالكم } لا نطالب بشيء منها فنحن لا نشتغل بالرد عليكم { سلام عليكم } متاركة لهم وتوديعاً ودعاء لهم بالسلامة عما هم فيه ، لا سلام تحية وإكرام ، ونظير ذلك { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } ( الفرقان ، 63 ) ثم أكد ذلك تعالى بقوله تعالى : حاكياً عنهم { لا نبتغي } أي : لا نكلف أنفسنا أن نطلب { الجاهلين } أي : لا نريد شيئاً من أموالهم وأقوالهم أو غير ذلك من خلالهم ، وقيل لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه قيل نسخ ذلك بالأمر بالقتال وهو بعيد لأنّ ترك المسافهة مندوب إليه وإن كان القتال واجباً .