بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ} (55)

قوله عز وجل : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ } يعني : إذا سمعوا الشتم والأذى والكلام القبيح لم يردوا عليهم ، ولم يكافئوهم به ولم يلتفتوا إليه ، يعني : إذا شتمهم الكفار لم يشتغلوا بمعارضتهم بالشتم { وَقَالُواْ لَنَا أعمالنا } يعني : ديننا { وَلَكُمْ أعمالكم } يعني : دينكم { سلام عَلَيْكُمُ } يعني : وردوا معروفاً عليهم ليس هذا تسليم التحية ، وإنما هو تسليم المتاركة والمسالمة ، أي : بيننا وبينكم المتاركة والمسالمة ، وهذا إن يؤمر المسلمون بالقتال . ويقال : السلام عليكم . يعني : أكرمكم الله تعالى بالإسلام { لاَ نَبْتَغِى الجاهلين } أي : لا نطلب دين الخاسرين ، ولا نصحبهم . ويقال : هذه الآية مدنية نزلت في شأن عبد الله بن سلام .

وروى أسباط عن السدي قال : لما أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال يا رسول الله : ابعث إلى قومي فاسألهم عني فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فستر بينهم وبينه ستراً . وقال : « أَخْبِرُونِي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلامِ كَيْفَ هُوَ فِيكُمْ ؟ » قالوا : ذاك سيدنا وأعلمنا . قال : « أَرَأَيْتُمْ إنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي أَتُؤْمِنُونَ بِي وَتُصَدِّقُونِي ؟ » قالوا : هو أفقه من أن يدع دينه ويتبعك . قال : « أَرَأَيْتُمْ إنْ فَعَلَ ؟ » قالوا : لا يفعل . قال : « أَرَأَيْتُمْ إِنْ فَعَلَ ؟ » قالوا : إنه لا يفعل ، ولو فعل إذاً نفعل . فقال عليه السلام : « أخْرُجْ يا عَبْدَ الله » . فخرج . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فوقعوا فيه ، وشتموه وقالوا : ما فينا أحد أقل علماً ، ولا أجهل منك . قال : « أَلَمْ تُثْنُوا عَلَيْهِ آنِفاً ؟ » قالوا : إنا استحينا أن نقول اغتبتم صاحبكم ، فجعلوا يشتمونه وهو يقول : { سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين } فقال : ابن يامني ، وكان من رؤساء بني إسرائيل أشهد أن عبد الله بن سلام صادق ، فابسط يدك يا محمد ، فبسط يده ، فبايع ابن يامني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل : { الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ } إلى قوله : { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } وإلى قوله : { لاَ نَبْتَغِى الجاهلين } .