قوله تعالى : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض } ، غالبين في أرض مصر ، { فمن ينصرنا من بأس الله } ، من يمنعنا من عذاب الله ، { إن جاءنا } ، والمعنى لكم الملك اليوم فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب ، وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم ، { قال فرعون ما أريكم } ، من الرأي والنصيحة ، { إلا ما أرى } ، لنفسي . وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم ، { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ، ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى .
ثم قال المؤمن محذرًا قومه زوال نعمة الله عنهم {[25500]} وحلول نقمة الله بهم : { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ } أي : قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض ، فراعوا هذه النعمة بشكر الله ، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله ، { فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا } أي : لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ، ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء .
{ قَالَ فِرْعَوْنُ } لقومه ، رادًّا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون : { مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى } أي : ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون ، فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاء به {[25501]} من الرسالة { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ } [ الإسراء : 102 ] ، وقال الله تعالى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [ النمل : 14 ] .
فقوله : { مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى } كذب فيه وافترى ، وخان الله ورسوله ورعيته ، فغشهم وما نصحهم وكذا قوله : { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ } أي : وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك ، وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ، قال الله تعالى : { فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] ، وقال تعالى : { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى } [ طه : 79 ] ، وفي الحديث : " ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا لم يَرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام " {[25502]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَقَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه : يا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظاهِرِينَ في الأرْضِ يعني : أرض مصر ، يقول : لكم السلطان اليوم والملك ظاهرين أنتم على بني إسرائيل في أرض مصر فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللّهِ يقول : فمن يدفع عنا بأس الله وسطوته إن حلّ بنا ، وعقوبته إن جاءتنا ، قال فرعون أُرِيكُمْ إلاّ ما أرَى يقول : قال فرعون مجيبا لهذا المؤمن الناهي عن قتل موسى : ما رأيكم أيها الناس من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا ، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد . يقول : وما أدعوكم إلا إلى طريق الحقّ والصواب في أمر موسى وقتله ، فإنكم إن لم تقتلوه بدّل دينكم ، وأظهر في أرضكم الفساد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.