المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

62- ثم يُبعث هؤلاء الأموات يوم القيامة ، ويوقفون أمام ربهم الذي يتولى وحده أمورهم بحق . اعلموا أن له - وحده - الفصل بين الخلائق وحسابهم في ذلك اليوم ، وهو أسرع من يتولى الحساب والجزاء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

قوله تعالى : { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } ، يعني : الملائكة ، وقيل : يعني العباد ، يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق ، فإن قيل : الآية في المؤمنين والكفار جميعاً ، وقد قال في آية أخرى : { وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمد :11 ] ، فكيف وجه الجمع ؟ فقيل : المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار ، والمولى هاهنا بمعنى المالك الذي يتولى أمورهم ، والله عز وجل مالك الكل ، ومتولي الأمور ، وقيل : أراد هنا المؤمنين خاصة ، يردون إلى مولاهم ، والكفار فيه تبع .

قوله تعالى : { ألا له الحكم } ، أي : القضاء دون خلقه .

قوله تعالى : { وهو أسرع الحاسبين } ، أي : إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية ، وعقد يد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

56

( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) . .

مولاهم الحق من دون الآلهة المدعاة . . مولاهم الذي أنشأهم ، والذي أطلقهم للحياة ما شاء . . في رقابته التي لا تغفل ولا تفرط . . ثم ردهم إليه عندما شاء ؛ ليقضي فيهم بحكمه بلا معقب :

( ألا له الحكم ، وهو أسرع الحاسبين ) . .

فهو وحده يحكم ، وهو وحده يحاسب . وهو لا يبطى ء في الحكم ، ولا يمهل في الجزاء . . ولذكر السرعة هنا وقعه في القلب البشري . فهو ليس متروكا ولو إلى مهلة في الحساب !

وتصور المسلم للأمر على هذا النحو الذي توحي به أصول عقيدته في الحياة والموت والبعث والحساب ، كفيل بأن ينزع كل تردد في إفراد الله سبحانه بالحكم - في هذه الأرض - في أمر العباد . .

إن الحساب والجزاء والحكم في الآخرة ، إنما يقوم على عمل الناس في الدنيا ؛ ولا يحاسب الناس على ما اجترحوا في الدنيا إلا أن تكون هناك شريعة من الله تعين لهم ما يحل وما يحرم ، مما يحاسبون يوم القيامة على أساسه ؛ وتوحد الحاكمية في الدنيا والآخرة على هذا الأساس . .

فأما حين يحكم الناس في الأرض بشريعة غير شريعة الله ؛ فعلام يحاسبون في الآخرة ؟ أيحاسبون وفق شريعة الأرض البشرية التي كانوا يحكمون بها ؛ ويتحاكمون إليها ؟ أم يحاسبون وفق شريعة الله السماوية التي لم يكونوا يحكمون بها ؛ ولا يتحاكمون إليها ؟

إنه لا بد أن يستيقن الناس أن الله محاسبهم على أساس شريعته هو لا شريعة العباد . وأنهم إن لم ينظموا حياتهم ، ويقيموا معاملاتهم - كما يقيمون شعائرهم وعباداتهم - وفق شريعة الله في الدنيا ، فإن هذا سيكون أول ما يحاسبون عليه بين يدي الله . وأنهم يومئذ سيحاسبون على أنهم لم يتخذوا الله - سبحانه - إلها في الأرض ؛ ولكنهم اتخذوا من دونه أربابا متفرقة . وأنهم محاسبون إذن على الكفر بألوهية الله - أو الشرك به باتباعهم شريعته في جانب العبادات والشعائر ، واتباعهم شريعة غيره في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وفي المعاملات والارتباطات - والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

والضمير في { ردوا } عائد على المتقدم ذكرهم ، ويظهر أن يعود على العباد فهو إعلام برد الكل ، وجاءت المخاطبة بالكاف في قوله { عليكم } تقريباً للموعظة من نفوس السامعين ، و { مولاهم } لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الرزّق والنصرة والمحاسبة والملك وغير ذلك ، وقوله { الحق } نعت ل { مولاهم } ، ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش «الحقَّ » بالنصب ، وهو على المدح ، ويصح على المصدر ، { ألا له الحكم } ابتداء كلام مضمنه التنبيه وهز نفس السامع ، «الحكم » تعريفه للجنس أي جميع أنواع التصرفات في العباد و { أسرع الحاسبين } متوجه على أن الله عز وجل حسابه لعبيده صادر عن علمه بهم فلا يحتاج في ذلك إلى إعداد ولا تكلف سبحانه لا رب غيره ، وقيل لعلي بن أبي طالب كيف يحاسب الله العباد في حال واحدة ؟ قال : كما يرزقهم في حال واحدة في الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

الضمير في قوله : { رُدّوا } عائد إلى { أحد } باعتبار تنكيره الصادق بكلّ أحد ، أي ثمّ يُردّ المتوفَّوْن إلى الله . والمراد رجوع الناس إلى أمر الله يوم القيامة ، أي ردّوا إلى حكمه من نعيم وعذاب ، فليس في الضمير التفات .

والمولى هنا بمعنى السيد ، وهو اسم مشترك يطلق على السيد وعلى العبد .

و { الحقّ } بالجرّ صفة ل { مولاهم } ، لما في { مولاهم } من معنى مالكهم ، أي مالكهم الحقّ الذي لا يشوب مِلكه باطلٌ يُوهن ملكه . وأصل الحقّ أنَّه الأمر الثابت فإن كلّ ملك غير ملك الخالقية فهو مشوب باستقلال مملوكه عنه استقلالاً تفاوتاً ، وذلك يُوهن المِلك ويضعف حقّيّته .

وجملة : { ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر . والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع .

وقدّم المجرور في قوله { له الحكم } للاختصاص ، أي له لا لغيره ، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره ، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين ، أي ليس لأصنامكم حكم معه ، وإن كان المراد من الحكم الحساب ، أي الحكم المعهود يوم القيامة ، فالقصر حقيقي . وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه : { وهو أسرع الحاسبين } أي ألاَ له الحساب ، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه .

وهذا يتضمَّن وعداً ووعيداً لأنَّه لمَّا أتي بحرف المهلة في الجمل المتقدّمة وكان المخاطبون فريقين : فريق صالح وفريق كافر ، وذكر أنَّهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة ؛ فالصالحون لا يحبّون المهلة والكافرون بعكس حالهم ، فعُجِّلت المسرّة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله : { وهو أسرع الحاسبين } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق}، ثم ردوا من الموت إلى الله في الآخرة، فيها تقديم، {ألا له الحكم}، يعني القضاء، {وهو أسرع الحاسبين} يقول: هو أسرع حسابا من غيره، وذلك قوله: {وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47).

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ثم ردّت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحقّ. "ألا لَهُ الحُكْمُ "يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه. "وَهُوَ أسْرَعُ الحاسِبِينَ": وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها، لأنه لا يحسب بعقد يَدٍ، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، "ولا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرّةٍ في السّمَوَاتِ ولا في الأَرْضِ ولا أصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ إلاّ في كِتَابٍ مُبِينٍ".

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله {ألا له الحكم} في تأخير الموت والحياة وقبض الأرواح وتوفي الأنفس. ويحتمل قوله: {له الحكم} في التعذيب في النار والثواب والعقاب، ليس يدفع ذلك عنهم دافع سواه، ولا ينازعه أحد في الحكم. {وهو أسرع الحاسبين} [روي عن الحسن أنه] قال: هو سريع العقاب لأنه إنما يحاسب ليعذب، لما روي [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال]: (من نوقش الحساب عذب) [البخاري: 6536]، {وهو أسرع الحاسبين} لأنه لا يحاسب عن حفظ ولا تفكر، ولا يشغله شيء، وأما غيره فإنما يحاسب عن حفظ وتفكر وعن شغل، فهو أسرع الحاسبين، ولا يشغله شيء.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي ردهم إلى الله وجهان: أحدهما: معناه ردهم إلى تدبير الله وحده، لأن الله دبرهم عند خلقهم وإنشائهم، ثم مكَّنهم من التصرف فصاروا في تدبير أنفسهم، ثم كَفَّهم عنه بالموت فصاروا في تدبير الله كالحالة الأولى، فصاروا بذلك مردودين إليه. والثاني: أنهم ردوا إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه إلا الله، فجعل الرد إلى ذلك الموضع رداً إليه... {أَلاَ لَهُ الحُكْمُ} يعني القضاء بين عباده. فإن قيل: فقد جعل لغيره الحكم؟ فعنه جوابان: أحدهما: أن له الحكم في يوم القيامة وحده. والثاني: أن غيره يحكم بأمره فصار الحكم له. ويحتمل قوله: {أَلاَ لَهُ الحُكْمُ} وجهاً ثانياً: أن له أن يحكم لنفسه فصار بهذا الحكم مختصاً. {وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ} يحتمل وجهين: أحدهما: يعني سرعة الحكم بين العباد لتعجيل الفصل، وعبر عن الحكم بالحساب من تحقيق المستوفِي بهما من قليل وكثير. والثاني: وهو الظاهر أنه أراد سرعة محاسبة العباد على أعمالهم. ويحتمل مراده بسرعة حسابه وجهين. أحدهما: إظهار قدرته بتعجيل ما يعجز عنه غيره. والثاني: أنه يبين به تعجيل ما يستحق عليه من ثواب، وتعجيل ما يستحق على غيره من عقاب جمعاً بين إنصافه وانتصافه.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

قوله -تعالى -: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) فإن قال قائل: الآية في المؤمنين والكفار، فكيف قال: (مولاهم الحق) وقد قال في آية أخرى: (وأن الكافرين لا مولى لهم) ؟ قيل: المولى في تلك الآية بمعنى: الناصر، ولا ناصر للكفار، والمولى هاهنا بمعنى: المالك، والله مالك الكل، وقيل: أراد به رد المؤمنين إليه، ويدخل الكفار فيه تبعا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله} أي إلى حكمه وجزائه {مولاهم} مالكهم الذي يلي عليهم أمورهم. {الحق}: العدل الذي لا يحكم إلاّ بالحق. {أَلاَ لَهُ الحكم} يومئذ لا حكم فيه لغيره. {وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} لا يشغله حساب عن حساب.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {مولاهم} لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الرزّق والنصرة والمحاسبة والملك وغير ذلك، وقوله {الحق} نعت ل {مولاهم}، ومعناه الذي ليس بباطل ولا مجاز، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش «الحقَّ» بالنصب، وهو على المدح، ويصح على المصدر...وقيل لعلي بن أبي طالب كيف يحاسب الله العباد في حال واحدة؟ قال: كما يرزقهم في حال واحدة في الدنيا.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

البحث الثالث: أنه تعالى سمى نفسه في هذه الآية باسمين: أحدهما المولى، وقد عرفت أن لفظ المولى، ولفظ الولي مشتقان من الولي: أي القرب، وهو سبحانه القريب البعيد الظاهر الباطن لقوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وقوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} وأيضا المعتق يسمى بالمولى، وذلك كالمشعر بأنه أعتقهم من العذاب، وهو المراد من قوله: «سبقت رحمتي غضبي». وأيضا أضاف نفسه إلى العبد فقال: {مولاهم الحق} وما أضافهم إلى نفسه وذلك نهاية الرحمة، وأيضا قال: مولاهم الحق، والمعنى أنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} فلما مات الإنسان تخلص من تصرفات الموالي الباطلة، وانتقل إلى تصرفات المولى الحق. والاسم الثاني الحق: واختلفوا هل هو من أسماء الله تعالى، فقيل: الحق مصدر. وهو نقيض الباطل، وأسماء المصادر لا تجري على الفاعلين إلا مجازا،كقولنا فلان عدل ورجاء وغياث وكرم وفضل، ويمكن أن يقال: الحق هو الموجود وأحق الأشياء بالموجودية هو الله سبحانه لكونه واجبا لذاته، فكان أحق الأشياء بكونه حقا هو هو،

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (62)} ألا حرف استفتاح يذكر في أول الكلام لتنبيه المخاطب لما بعده إذا كان مهما؛ لئلا يفوته منه شيء، وقوله: {له الحكم} يفيد الحصر، أي له الحكم وحده ليس لغيره منه شيء في ذلك اليوم،...وفسر كونه تعالى أسرع الحاسبين بأنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره؛ لأنه لا يشغله شأن عن شأن، فاسم التفضيل فيه على غير بابه إذ لا محاسب هنالك غيره، أو هو بالنسبة إلى المحاسبين أو الحاسبين في غير الآخرة، ولفظ الحاسبين اسم الفاعل من حسب الثلاثي لا من حاسب، والحساب مصدر لكل منهما، يقال حسبه حسبا وحسابا وحاسبه محاسبة وحسابا. والمحاسبة أو الحساب في المعاملة مبني على الحسب والحساب الذي هو العد والإحصاء لأن المحاسب يحصي على من يحاسبه العدد في المال أو ما نيط به من الأعمال. والمراد هنا أنه أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال ومحاسبة عليها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن الحساب والجزاء والحكم في الآخرة، إنما يقوم على عمل الناس في الدنيا؛ ولا يحاسب الناس على ما اجترحوا في الدنيا إلا أن تكون هناك شريعة من الله تعين لهم ما يحل وما يحرم، مما يحاسبون يوم القيامة على أساسه؛ وتوحد الحاكمية في الدنيا والآخرة على هذا الأساس...

إنه لا بد أن يستيقن الناس أن الله محاسبهم على أساس شريعته هو لا شريعة العباد. وأنهم إن لم ينظموا حياتهم، ويقيموا معاملاتهم -كما يقيمون شعائرهم وعباداتهم- وفق شريعة الله في الدنيا، فإن هذا سيكون أول ما يحاسبون عليه بين يدي الله. وأنهم يومئذ سيحاسبون على أنهم لم يتخذوا الله -سبحانه- إلها في الأرض؛ ولكنهم اتخذوا من دونه أربابا متفرقة. وأنهم محاسبون إذن على الكفر بألوهية الله -أو الشرك به باتباعهم شريعته في جانب العبادات والشعائر، واتباعهم شريعة غيره في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفي المعاملات والارتباطات- والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الضمير في قوله: {رُدّوا} عائد إلى {أحد} باعتبار تنكيره الصادق بكلّ أحد، أي ثمّ يُردّ المتوفَّوْن إلى الله. والمراد رجوع الناس إلى أمر الله يوم القيامة، أي ردّوا إلى حكمه من نعيم وعذاب، فليس في الضمير التفات.

والمولى هنا بمعنى السيد، وهو اسم مشترك يطلق على السيد وعلى العبد.

و {الحقّ} بالجرّ صفة ل {مولاهم}، لما في {مولاهم} من معنى مالكهم، أي مالكهم الحقّ الذي لا يشوب مِلكه باطلٌ يُوهن ملكه. وأصل الحقّ أنَّه الأمر الثابت فإن كلّ ملك غير ملك الخالقية فهو مشوب باستقلال مملوكه عنه استقلالاً تفاوتاً، وذلك يُوهن المِلك ويضعف حقّيّته.

وجملة: {ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين} تذييل ولذلك ابتدئ بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر. والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع.

وقدّم المجرور في قوله {له الحكم} للاختصاص، أي له لا لغيره، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين، أي ليس لأصنامكم حكم معه، وإن كان المراد من الحكم الحساب، أي الحكم المعهود يوم القيامة، فالقصر حقيقي. وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه: {وهو أسرع الحاسبين} أي ألاَ له الحساب، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه.

وهذا يتضمَّن وعداً ووعيداً لأنَّه لمَّا أتي بحرف المهلة في الجمل المتقدّمة وكان المخاطبون فريقين: فريق صالح وفريق كافر، وذكر أنَّهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة؛ فالصالحون لا يحبّون المهلة والكافرون بعكس حالهم، فعُجِّلت المسرّة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله: {وهو أسرع الحاسبين}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ويقول الحق من بعد ذلك: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (62)}. وكلمة (ردوا) تفيد أن كان لهم التقاء به أولا، وبعد ذلك سوف يرجعون، كيف؟ لقد كانوا منه إيجادا، ثم ردوا إليه حسابا ثوابا وعقابا؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو القائل: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم...

. (55)} (سورة طه).

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

يؤلف مجموع هذه الآيات درساً تربوياً كاملا لعباد الله في إِحاطة علمه تعالى بأصغر ذرات هذا العالم وبأكبرها وقدرته وقهره لعباده ومعرفته بجميع أعمال البشر، وقيام كتبة أُمناء بحفظ أعمال الناس وقبض أرواحهم في لحظات معينة بالنسبة لكل منهم، وبعثهم يوم القيامة، ومن ثمّ محاسبتهم محاسبة دقيقة وسريعة. كيف يمكن أن يؤمن الشخص بمجموع هذه المسائل ثمّ لا يراقب أعماله، يظلم دون وازع، ويكذب ويفتري ويعتدي على الآخرين؟ هل يجتمع كل هذا مع الإِيمان والاعتقاد على صعيد واحد؟