قوله تعالى : { وإذا سمعوا اللغو } القبيح من القول ، { أعرضوا عنه } وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون : تباً لكم تركتم دينكم ، فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم ، { وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } لنا ديننا ولكم دينكم ، { سلام عليكم } ليس المراد منه سلام التحية ، ولكنه سلام المتاركة ، معناه : سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم والقبح من القول ، { لا نبتغي الجاهلين } أي : دين الجاهلين ، يعني : لا نحب دينكم الذي أنتم عليه . وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال .
وصفة أخرى من صفة النفوس المؤمنة الصابرة على الإسلام الخالصة للعقيدة :
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ، وقالوا : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم لانبتغي الجاهلين . .
واللغو فارغ الحديث ، الذي لا طائل تحته ، ولا حاصل وراءه . وهو الهذر الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زادا جديدا ، ولا معرفة مفيدة . وهو البذيء من القول الذي يفسد الحس واللسان ، سواء : أوجه إلى مخاطب أم حكي عن غائب .
والقلوب المؤمنة لا تلغو ذلك اللغو ، ولا تستمع إلى ذاك الهذر ، ولا تعنى بهذا البذاء . فهي مشغولة بتكاليف الإيمان ، مرتفعة بأشواقه ، متطهرة بنوره :
( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) . .
ولكنهم لا يهتاجون ولا يغتاظون ولا يجارون أهل اللغو فيردون عليهم بمثله ، ولا يدخلون معهم في جدل حوله ، لأن الجدل مع أهل اللغو لغو ؛ إنما يتركونهم في موادعة وسلام .
( وقالوا : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم ) . .
هكذا في أدب ، وفي دعاء بالخير ، وفي رغبة في الهداية . . مع عدم الرغبة في المشاركة :
ولا نريد أن ننفق معهم وقتنا الثمين ، ولا أن نجاريهم في لغوهم أو نسمع إليه صامتين ! .
إنها صورة وضيئة للنفس المؤمنة المطمئنة إلى إيمانها . تفيض بالترفع عن اللغو . كما تفيض بالسماحة والود . وترسم لمن يريد أن يتأدب بأدب الله طريقه واضحا لا لبس فيه . فلا مشاركة للجهال ، ولا مخاصمة لهم ، ولا موجدة عليهم ، ولا ضيق بهم . إنما هو الترفع والسماحة وحب الخير حتى للجارم المسيء .
ومعنى { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } أن أعمالنا مستحقة لنا كناية عن ملازمتهم إياها وأما قولهم { ولكم أعمالكم } فهو تتميم على حد { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] .
والمقصود من السلام أنه سلام المتاركة المكنى بها عن الموادعة أن لا نعود لمخاطبتكم قال الحسن : كلمة : السلام عليكم ، تحية بين المؤمنين ، وعلامة الاحتمال من الجاهلين . ولعل القرآن غير مقالتهم بالتقديم والتأخير لتكون مشتملة على الخصوصية المناسبة للإعجاز لأن تأخير الكلام الذي فيه المتاركة إلى آخر الخطاب أولى ليكون فيه براعة المقطع .
وحذف القرآن قولهم : لم نأل أنفسنا رشداً ، للاستغناء عنه بقولهم { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } .
السابعة : ما أفصح عنه قولهم { لا نبتغي الجاهلين } من أن ذلك خلقهم أنهم يتطلبون العلم ومكارم الأخلاق . والجملة تعليل للمتاركة ، أي لأنا لا نحب مخالطة أهل الجهالة بالله وبدين الحق وأهل خُلق الجهل الذي هو ضد الحلم ، فاستعمل الجهل في معنييه المشترك فيها ولعله تعريض بكنية أبي جهل الذي بذا عليهم بلسانه .
والظاهر أن هذه الكلمة يقولونها بين أنفسهم ولم يجهروا بها لأبي جهل وأصحابه بقرينة قوله { ويدرأون بالحسنة السيئة } وقوله { سلام عليكم } وبذلك يكون القول المحكي قولين : قول وجهوه لأبي جهل وصحبه ، وقول دار بين أهل الوفد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.