المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

8- ومن يعمل زنة ذرة من التراب شراً يره كذلك ، ويلق جزاءه ، ولا يظلم ربك أحداً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

{ فمن يعمل مثقال ذرة } وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل . { خيراً يره . }

{ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدنيا إلا أراه الله له يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فيرى حسناته ويعذب بسيئاته . قال محمد بن كعب في الآية { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، { ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { ويطعمون الطعام على حبه }( الدهر-8 ) كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها ، يقول : ما هذا بشيء ، إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ، ويقول : إنما وعد الله النار على الكبائر ، وليس هذا بإثم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، ويحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم عند الله من الجبال يوم القيامة ، وجميع محاسنه أقل من كل شيء . قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال : " ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } " . وتصدق عمر ابن الخطاب وعائشة بحبة عنب ، وقالا : فيها مثاقيل كثيرة .

ختام السورة:

وقال الربيع بن خثيم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا محمد ابن القاسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله ، حدثنا الحسين بن سفيان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا اليمان بن المغيرة ، وحدثنا عطاء عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا زلزلت الأرض } تعدل نصف القرآن ، { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ، { قل يا أيها الكافرون } تعدل ربع القرآن " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها .

( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . .

ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة . . .

فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الإسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها !

فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . .

عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله إرتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل !

إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض . . إلا في القلب المؤمن . .

القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر . . . وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر . . ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال . .

إنها قلوب عتلة في الأرض ، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب ! !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السَّمان ، عن أبي هُرَيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طِيَلها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طِيَلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طِيَلها فاستنَّت شَرَفا أو شرفين ، كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يَسقَى به كان ذلك حسنات له ، وهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تَغَنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر . ورجل ربطها فخرًا ورئاء ونواء ، فهي على ذلك وزر " . فسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر ، فقال : " ما أنزل الله فيها شيئًا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } {[30390]} . ورواه مسلم ، من حديث زيد بن أسلم ، به{[30391]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جرير بن حازم ، حدثنا الحسن ، عن صعصعة بن معاوية - عم الفرزدق - : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قال : حسبي ! لا أبالي ألا أسمع غيرها{[30392]} . وهكذا رواه النسائي في التفسير ، عن إبراهيم بن يونس بن محمد المؤدب ، عن أبيه ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن البصري قال : حدثنا صعصعةُ عم الفرزدق ، فذكره{[30393]} .

وفي صحيح البخاري ، عن عَدي مرفوعا : " اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة ، ولو بكلمة طيبة " {[30394]} وفي الصحيح : " لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " {[30395]} ، وفي الصحيح أيضا : " يا نساء {[30396]} المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسَنَ شاة " {[30397]} يعني : ظلفها . وفي الحديث الآخر : " ردوا السائل ولو بظلْف مُحَرق " {[30398]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة ، استتري من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان " . تفرد به أحمد{[30399]} .

ورُويَ عن عائشة أنها تصدقت بعنبة ، وقالت : كم فيها من مثقال ذرة{[30400]} .

وقال أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سعيد بن مسلم ، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير : حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل : أن عائشة أخبرته : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا عائشة ، إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا " . ورواه النسائي وابن ماجة ، من حديث سعيد بن مسلم بن بَانَك ، به{[30401]} .

وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني ، حدثنا الهيثم بن الربيع ، حدثنا سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }{[30402]} فرفع أبو بكر يده وقال : يا رسول الله ، إني أُجزى بما عملتُ من مثقال ذرة من شر ؟ فقال : " يا أبا بكر ، ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذَر الخير حتى تُوفَاه يوم القيامة " {[30403]} .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه [ عن ]{[30404]} أبي الخطاب ، به . ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب قال : في كتاب أبي قِلابة ، عن أبي إدريس : أن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره{[30405]} .

ورواه أيضًا عن يعقوب ، عن ابن عُلَيَّة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة : أن أبا بكر ، وذكره .

طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني حُيَي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما نزلت : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا } وأبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قاعد ، فبكى حين أنزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا أبا بكر ؟ " . قال : يبكيني هذه السورة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أنكم تخطئون وتذنبون ، فيغفر الله لكم ، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم " {[30406]} .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن [ محمد بن ]{[30407]} المغيرة - المعروف بعلان المصري - قالا : حدثنا عمرو بن خالد الحرَّاني ، حدثنا ابن لَهِيعة ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } قلت : يا رسول الله ، إني لراء عملي ؟ قال : " نعم " . قلت : تلك الكبار الكبار ؟ قال : " نعم " . قلت : الصغار الصغار ؟ قال : " نعم " . قلت : واثُكلَ أُمي . قال : " أبشر يا أبا سعيد ؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها - يعني إلى سبعمائة ضعف - ويضاعف الله لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يغفر الله ، ولن ينجو أحد منكم بعمله " . قلت : ولا أنت يا رسول الله{[30408]} ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة " {[30409]} قال أبو زُرْعَة : لم يرو هذا غير ابن لَهِيعة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني{[30410]} عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } وذلك لما نزلت هذه الآية : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [ الإنسان : 8 ] ، كان المسلمون يرون أنهم لا يُؤجَرون على الشيء القليل الذي أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجَوْزة ونحو ذلك ، فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء ، إنما نُؤجَر على ما نعطي ونحن نحبه . وكان آخرون يَرَون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر . فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } يعني : وزن أصغر النمل { خَيْرًا يَرَهُ } يعني : في كتابه ، ويَسُرُّه ذلك . قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة . وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضًا ، بكل واحدة عشر ، ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات ، فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة ، دخل الجنة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله بن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صَنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا ، وأجَّجوا نارًا ، وأنضجوا ما قذفوا فيها{[30411]} .

[ آخر تفسير سورة " إذا زلزلت " ]{[30412]} [ ولله الحمد والمنة ]{[30413]}


[30390]:- (1) في م، أ: "من" وهو خطأ.
[30391]:- (2) صحيح البخاري برقم (4962) وصحيح مسلم برقم (987).
[30392]:- (3) المسند (5/59).
[30393]:- (4) سنن النسائي الكبرى برقم (11694).
[30394]:- (5) صحيح البخاري برقم (7512).
[30395]:- (6) صحيح مسلم برقم (2626) من حديث أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه.
[30396]:- (7) في م: "يا معشر نساء"، وفي أ: "معشر النساء".
[30397]:- (8) صحيح البخاري برقم (2566) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[30398]:- (9) رواه أحمد في المسند (5/381) وأبو داود في السنن برقم (1667) والترمذي في السنن برقم (665) من حديث أم بجيد الأنصارية، رضي الله عنها. وقال الترمذي: "حديث أم بجيد حديث حسن صحيح".
[30399]:- (10) المسند (6/79).
[30400]:- (11) هو في الموطأ (2/997) بلاغا عن عائشة.
[30401]:- (1) المسند (6/151) وسنن ابن ماجة برقم (4243).
[30402]:- (2) في أ: "من" وهو خطأ.
[30403]:- (3) تفسير الطبري (30/173) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3418) "مجمع البحرين" من طريق أبي الخطاب، به، وقال: "لم يروه عن أيوب إلا سماك، ولا عنه إلا الهيثم. تفرد به زيادة". قلت: الهيثم بن الربيع ضعيف.
[30404]:- (4) زيادة من م، أ.
[30405]:- (5) تفسير الطبري (30/174) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (7103) والطبراني في المعجم الكبير برقم (87) "القطعة المعقودة" من طريق ابن وهب، به.
[30406]:- (6) تفسير الطبري (30/175).
[30407]:- (7) زيادة من الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/1/195).
[30408]:- (1) في أ: "يا نبي الله".
[30409]:- (2) ذكره السيوطي في الدر المنثور (8/594) وعزاه لابن أبي حاتم، ولآخره شاهد في الصحيح من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[30410]:- (3) في م: "عن".
[30411]:- (4) المسند (1/402).

[30412]:- (5) زيادة من م، أ.
[30413]:- (6) زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

ثم أخبر تعالى أنه من عمل عملاً رآه قليلاً كان أو كثيراً ، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل ، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، ومنه قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف }{[11938]} [ الإسراء : 23 ] ، وهذا كثير ، وقال ابن عباس وبعض المفسرين : رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة ، وذلك لازم من لفظ السورة وسردها ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً ؛ لأن خيره قد عجل له في الدنيا ، وكذلك المؤمن أيضاً تعجل له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين { مثقال ذرة } من خير أو شر رآه ، ويخرج من ذلك أن لا يرى الكافر خيراً في الآخرة ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قلت يا رسول الله : أرأيت ما كان عبد الله بن جدعان يفعله من البر وصلة الرحم وإطعام الطعام ، ألَهُ في ذلك أجر ؟ قال : «لا ؛ لأنه لم يقل قط : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين{[11939]} » ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمي هذه الآية الجامعة الفادة ، وقد نص على ذلك حين سئل عن الحمر ، الحديث{[11940]} ، وأعطى سعد بن أبي وقاص سائلاً ثمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال له سعد : ما هذا ؟ إن الله تعالى قبل منا مثاقيل الذر ، وفعلت نحو هذا عائشة في حبة عنب ، وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : حسبي ، لا أبالي أن لا أسمع غيرها{[11941]} ، وسمعها رجل عند الحسن ، فقال : انتهت الموعظة ، فقال الحسن : فقه الرجل . وقرأ هشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «يره » ، بسكون الهاء في الأولى والأخيرة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع فيما روى عنه ورش والحلواني عن قالون عنه في الأولى «يرهو » وأما الآخرة فإنه سكون وقف ، وأما من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفف أمثال هذا ومنه قول الشاعر :

ومطواي مشتاقان له أرقان{[11942]}

وهذه لغة لم يحكها سيبويه ؛ لكن حكاها الأخفش ، وقرأ أبو عمرو وحده بضم الهاء فيهما مشبعتان ، وقرأ أبان عن عاصم ، وابن عباس ، وأبو حيوة ، وحميد بن الربيع عن الكسائي : ( يره ) بضم الياء ، وهي رؤية بصر ، بمعنى : يجعله يدركه ببصره ، والمعنى : يرى ثوابه وجزاءه ؛ لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا ، وهذا الفعل كله من " رأيت " بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد . وقرأ عكرمة : ( خيرا يراه ) و ( شرا يراه ) ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى : يصيبه ويناله .

ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترك أبو بكر رضي الله عنه الأكل وبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما يبكيك ؟ قال : يا رسول الله أو أسأل عن مثاقيل الذر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير " {[11943]} .

و ( الذرة ) نملة صغيرة حمراء رقيقة لا يرجح بها ميزان ، ويقال : إنها تجري إذا مضى لها حول ، وقد تؤول ذلك في قول امرىء القيس :

من القاصرات الطرف لو دب محول** من الذر فوق الإتب منها لأثرا{[11944]}

وحكى النقاش أنهم قالوا : كان بالمدينة رجلان أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها ، وكان الآخر يريد أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من الصدقة ، فنزلت الآية فيهما ، كأنه يقال لأحدهما : تصدق باليسير فإن مثقال ذرة الخير ترى ، وقيل للآخر : كف عن الصغائر فإن مقادير ذر الشر ترى .

كمل تفسير سورة الزلزلة والحمد لله رب العالمين


[11938]:من الآية 23 من سورة الإسراء والآية عامة فهي تنهي عن القليل والكثير، ولكن اكتفت بذكر القليل.
[11939]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، كما أخرجه البغوي، وجدعان بضم الجيم، وهو ابن عم والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومعنى الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام وغيرهما لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرا.
[11940]:روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الخيل لثلاثة، لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في ِطَيِلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت ِطَيَلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء فهي على ذلك وزر، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر، فقال: (ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى مالك، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه. ومعنى (الفاذة): المنفردة. هذا والطيل: الحبل الطويل، واستنت : عدت وجرت، والشرف: الشوط ، والنواء: العداء لأهل الإسلام.
[11941]:أخرجه ابن المبارك في الزهد، وأحمد في مسنده، وعبد بن حميد، والنسائي، والطبراني، وابن مردويه، عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق.
[11942]:هذا عجز بيت ذكره النحويون شاهدا على أن بعض العرب يجوزون تسكين الهاء، كما في قوله هنا: (له)، والبيت بتمامه مع بيت قبله: أرقت لبرق دونه شدوان يمان وأهوى البرق كل يمان فظلت لدى البيت العتيق أريغه ومطواي مشتاقان له أرقان وهما من قصيدة قالها رجل من أزد السراة، قيل: اسمه يعلى الأحول الأزدي، وقيل: بل هو عمرو بن أبي عمارة الأزدي، وقيل: بل هو جواس بن حيان، من أزد عمان. والبيت العتيق: مكة، وظلت: قضيت يومي، ويروى بدلا منها: فبت، ولدى بمعنى: عند، وأريغه: أطلبه، ويروى بدلا منها: أخيله، بمعنى : أظنه وأتخيله، ويروى : أشيمه، ومطواي: مثنى مطو، وهو الصاحب والرفيق في السفر. ومشتاقان: خبر مطواي، وكذلك أرقان خبر ثان. ويروي صاحب الأغاني البيت: (ومطواي في شوق له أرقان)، وعلى هذا فلا شاهد فيه، والضمير في (له) يعود على (البرق) في البيت السابق. هذا والبيت في اللسان، وخزانة الأدب، والأغاني، والمحتسب، والخصائص، والمنصف.
[11943]:أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم في تاريخه، وابن مردويه ، والبيهقي في (شعب الإيمان)، عن أنس رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في (شعب الإيمان)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، كذلك أخرجه ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، كما أخرجه عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه.
[11944]:هذا البيت من قصيدة امرىء القيس التي نظمها وهو في طريقه إلى بلاد الروم، "والقاصرات الطرف" : اللواتي يقصرن طرفهن على أزواجهن ولا ينظرن إلى غيرهن، ويريد حبيبته التي ذكرها في البيت السابق حين قال: إن كل ما يراه من برق ومطر لا ينسيه هذه الحبيبة، وهو يتمنى أن يسقط المطر على ديارها دون سواها: نشيم بروق المزن، أين مصابه ولا شيء يشفي منك يابنة عفزرا والمحول: الذي مضى عليه حول: أي سنة، والذر: النمل الصغير، والإتب: ثوب غير مخيط على الجانبين.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

تفريع على قوله : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] تفريع الفذلكة ، انتقالاً للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريعُ قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتاً .

والمثقال : ما يعرف به ثِقَل الشيء ، وهو ما يُقَدَّر به الوزن وهو كميزاننٍ زِنةً ومعْنًى .

والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .

و { مثقال ذرة } مثَل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإِيمان قال تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .

وإنما أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .

وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة ففي « الموطأ » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيلُ لثلاثة " الحديث . فسُئل عن الحُمُر فقال : لم يُنْزَل عَليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قَدِم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم يستقرىء النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صَعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره .

وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير .

وفي « الكشاف » : يحكى أن أعرابياً أخَّر خيراً يَرَه فقيل قدّمت وأخَّرت فقال :

خُذا بطن هَرشَى أو قَفَاها فإنه *** كلا جانبيْ هَرشَى لهن طريق اه

وقد غفل هذا الأعرابي عن بلاغة الآية المقتضية التنويه بأهل الخير .

روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .

ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية . ولو صحّ هذا الخبر لما كان مقتضياً أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهداً يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ} (8)

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }فيُقَاسي عناءَه . ...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } جزاء المؤمن في الدنيا بالأحزان والمصائب ، والكافر في الآخرة . ...

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

هذا على عمومه في حق الكافر ....

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ومن يعمل } أي كائناً من كان { مثقال ذرة شراً } أي من جهة الشر { يره } فما فوقه ، فالمؤمن يراه ويعلم أنه قد غفر له ليشتد فرحه ، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه ، والذرة النملة الصغيرة ، أو الهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة ، وقد رجع آخرها على أولها بتحديث الأخبار وإظهار الأسرار ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها .

( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . .

ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة . . .

فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي " رؤيا " في ضمير العلماء ! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها !

فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ! . . .

عندئذ لا يحقر " الإنسان " شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول : هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله ارتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل !

إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض . . إلا في القلب المؤمن . .

القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر . . . وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر . . ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال . .

إنها قلوب عتلة في الأرض ، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب ! !

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 7]

تفريع على قوله : { ليروا أعمالهم } [ الزلزلة : 6 ] تفريع الفذلكة ، انتقالاً للترغيب والترهيب بعد الفراغ من إثبات البعث والجزاء ، والتفريعُ قاض بأن هذا يكون عقب ما يصدر الناس أشتاتاً .

والمثقال : ما يعرف به ثِقَل الشيء ، وهو ما يُقَدَّر به الوزن وهو كميزاننٍ زِنةً ومعْنًى .

والذّرة : النملة الصغيرة في ابتداء حياتها .

و { مثقال ذرة } مثَل في أقل القلة وذلك للمؤمنين ظاهر وبالنسبة إلى الكافرين فالمقصود ما عملوا من شر ، وأما بالنسبة إلى أعمالهم من الخير فهي كالعدم فلا توصف بخير عند الله لأن عمل الخير مشروط بالإِيمان قال تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .

وإنما أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب .

وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة ففي « الموطأ » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيلُ لثلاثة " الحديث . فسُئل عن الحُمُر فقال : لم يُنْزَل عَليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : هذه أحكم آية في القرآن ، وقال الحسن : قَدِم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئ النبي القرآن فقرأ عليه هذه الآية فقال صَعصعة : حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها . وقال كعب الأحبار : « لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإِنجيل والزبور والصحف : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره .

وإذ قد كان الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير ...

روى الواحدي عن مقاتل : أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا بالمدينة أحدهما لا يبالي من الذنوب الصغائر ويركبها ، والآخر يحب أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من أن يتصدق به فنزلت الآية فيهما .

ومن أجل هذه الرواية قال جمع : إن السورة مدنية . ولو صحّ هذا الخبر لما كان مقتضياً أن السورة مدنية لأنهم كانوا إذا تلوا آية من القرآن شاهداً يظنها بعض السامعين نزلت في تلك القصة كما بيناه في المقدمة الخامسة .