12- وأدخل يدك في فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير برص ، في جملة تسع معجزات{[164]} ، مرسلا إلى فرعون وقومه ، إنهم كانوا قوما خارجين عن أمر اللَّه كافرين .
ثم أراه الله آية أخرى فقال : { وأدخل يدك في جيبك } والجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع ، قال أهل التفسير : كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، فذلك قوله : { تخرج بيضاء من غير سوء } من غير برص ، { في تسع آيات } يقول هذه آية من تسع آيات أنت مرسل بهن .
والآن وقد اطمأن موسى وقر ، يجهزه ربه بالمعجزة الثانية ، قبل أن يكشف له عن جهة الرسالة ووجهة التكليف :
( وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) . .
وكان هذا . وأدخل موسى يده في فتحة ثوبه - وهي جيبه - فخرجت بيضاء مشرقة لا عن مرض ، ولكن عن معجزة . ووعده ربه أن يؤيده بتسع آيات من هذا النوع الذي شاهد منه اثنتين ؛ وكشف له حينئذ عن وجهته التي من أجلها دعاه وجهزه ورعاه !
( في تسع آيات إلى فرعون وقومه . إنهم كانوا قوما فاسقين ) . .
ولم يعدد هنا بقية هذه الآيات التسع ، التي كشف عنها في سورة الأعراف . وهي سنون الجدب ، ونقص الثمرات ، الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . لأن التركيز هنا على قوة الآيات لا على ماهيتها . وعلى وضوحها وجحود القوم لها :
وقوله : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } هذه آية أخرى ، ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ، وصِدْق من جعل له معجزة ، وذلك أن الله - تعالى - أمره أن يُدخل يده في جيب دِرْعِه ، فإذا أدخلها وأخرجها خَرجت بيضاء ساطعة ، كأنها قطعة قمر ، لها لمعان يتلألأ{[21974]} كالبرق الخاطف .
وقوله : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي : هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن ، وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [ الإسراء : 101 ] كما تقدم تقرير ذلك هنالك .
{ وأدخل يدك في جيبك } لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها . وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع . { تخرج بيضاء من غير سوء } آفة كبرص . { في تسع آيات } في جملتها أو معها على أن التسع هي ، الفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون . أو اذهب في تسع آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به . { إلى فرعون وقومه } وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا . { إنهم كانوا قوما فاسقين } تعليل للإرسال .
ثم أمر تعالى موسى بأن يدخل يده في جيب جبته لأنها لم يكن لها كم فيما قال ابن عباس ، وقال مجاهد كانت مدرعة صوف إلى بعض يده ، و «الجيب » الفتح في الثوب لرأس الإنسان ، وروي أن يد موسى عليه السلام كانت تخرج تلألأ كأنها قطعة نور ، ومعنى إدخال اليد في الجيب ضم الآية إلى موسى وإظهار تلبسها به لأن المعجزات من شروطها أن يكون لها اتصال بالآتي بها ، وقوله { من غير سوء } أي من غير برص ولا علة وإنما هي آية تجيء وتذهب ، وقوله { في تسع آيات } ، متصل بقوله { ألق } { وأدخل } ، وفي اقتضاب وحذف تقديره نمهد ونسير ذلك لك في جملة تسع آيات ، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والحجر ، وفي هذين الأخيرين اختلاف والمعنى تجيء بهن إلى فرعون وقومه .
عطف على قوله : { وألق عصاك } [ النمل : 10 ] وما بينهما اعتراض ، بعد أن أراه آية انقلاب العصا ثعباناً أراه آية أخرى ليطمئن قلبه بالتأييد ، وقد مضى في « طه » التصريح بأنه أراه آية أخرى . والمقصود من ذلك أن يعجل له ما تطمئن له نفسه من تأييد الله تعالى إياه عند لقاء فرعون .
وقوله : { في تسع آيات } حال من { تخرج بيضاء } أي حالة كونها آية من تسع آيات ، و { إلى فرعون } صفة لآيات ، أي آيات مسوقة إلى فرعون . وفي هذا إيذان بكلام محذوف إيجازاً وهو أمر الله موسى بأن يذهب إلى فرعون كما بيّن في سورة الشعراء .
والآيات هي : العصا ، واليَد ، والطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والقحط ، وانفلاق البحر وهو أعظمها ، وقد عدّ بعضها في سورة الأعراف . وجمعها الفيروزآبادي في بيت ذكره في مادة ( تسع ) من « القاموس » وهو :
عصاً سَنَةٌ بحر جراد وقُمَّل *** يَدٌ ودَمٌ بعدَ الضفادع طُوفان
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأدخل يدك} اليمنى {في جيبك} يعني: جيب المدرعة من قبل صدره.. {تخرج} اليد من المدرعة {بيضاء} لها شعاع كشعاع الشمس {من غير سوء} يعني: من غير برص، ثم انقطع الكلام، يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {في تسع آيات} يعني: أعطي تسع آيات اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطي موسى عليه السلام، بالأرض المقدسة اليد والعصا، حين أرسل إلى فرعون، وأعطي سبع آيات بأرض مصر حين كذبوه، فكان أولها اليد، وآخرها الطمس، يقول: {إلى فرعون}... {وقومه} أهل مصر {إنهم كانوا قوما فاسقين}، يعني: عاصين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله لنبيه موسى:"وأدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ" وقوله: "تخْرُجْ بَيْضَاءَ "يقول: تخرج اليد بيضاء بغير لون موسى "من غيرِ سُوءٍ" يقول: من غير برص. "في تسع آيات"، يقول تعالى ذكره: أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، فهي آية في تسع آيات مُرسل أنت بهنّ إلى فرعون، وترك ذكر مرسل لدلالة قوله "إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ" على أن ذلك معناه...
والآيات التسع: هنّ الآيات التي بيّناهنّ فيما مضى... قال ابن زيد... هي التي ذكر الله في القرآن: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والطوفان، والدم، والحجر، والطّمْس الذي أصاب آل فرعون في أموالهم.
وقوله: "إنّهُمْ كانُوا قَوْما فاسِقِينَ" يقول: إن فرعون وقومه من القبط كانوا قوما فاسقين، يعني كافرين بالله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} فالله تعالى قادر أن يجعل يده بيضاء من غير إدخاله إياها في جيبه، لكنه امتحن موسى بالأمر بإدخالها في جيبه، وكذلك قادر أن يصير عصاه في يده حية، لكنه امتحنه بالأمر بإلقائها، ولله أن يمتحن عباده بكل أنواع المحن.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {فِي تِسْعِ ءايات}... والمعنى: اذهب في تسع آيات {إلى فِرْعَوْنَ}...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... و «الجيب» الفتح في الثوب لرأس الإنسان...
وقوله {من غير سوء} أي من غير برص ولا علة، وإنما هي آية تجيء وتذهب...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أراه سبحانه هذه الخارقة فيما كان في يده بقلب جوهرها إلى جوهر شيء آخر حيواني، أراه آية أخرى في يده نفسها بقلب عرضها الذي كانت عليه إلى عرض آخر نوراني، فقال: {وأدخل يدك في جيبك} أي فتحة ثوبك، وهو ما قطع منه ليخيط بعنقك {تخرج} أي إذا أخرجتها {بيضاء} أي بياضاً عظيماً نيراً جداً، له شعاع كشعاع الشمس.
ولما كان ربما وقع في وهم أن هذه آفة، قال: {من غير سوء} أي برص ولا غيره من الآفات، آية أخرى كائنة {في} جملة {تسع آيات} كما تقدم شرحها في سورة الإسراء وغيرها، منتهية على يدك برسالتي لك {إلى فرعون وقومه} أي الذين هم أشد أهل هذا الزمان قياماً في الجبروت والعدوان؛ ثم علل إرساله إليهم بالخوارق بقوله: {إنهم كانوا} أي كوناً كأنه جبلة لهم {قوماً فاسقين} أي خارجين عن طاعتنا، لتردهم إلينا.