المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

19- الله عظيم البر بجميع عباده ، يرزق من يشاء كما يشاء ، وهو الغالب على كل شيء ، المنيع الذي لا يغلب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

قوله تعالى : { الله لطيف بعباده } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حفي بهم . قال عكرمة : بار بهم . قال السدي : رفيق . قال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعاً بمعاصيهم ، يدل عليه قوله :{ يرزق من يشاء } ( البقرة-212 ) ، وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه . قال جعفر بن محمد الصادق : اللطف في الرزق من وجهين : أحدهما : أنه جعل رزقك من الطيبات ، والثاني : أنه لم يدفعه إليك بمرة واحدة . { وهو القوي العزيز* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

وينتقل من الحديث عن الآخرة والإشفاق منها أو الاستهتار بها ، إلى الحديث عن الرزق الذي يتفضل الله به على عباده :

( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز ) . .

وتبدو المناسبة بعيدة في ظاهر الأمر بين هذه الحقيقة وتلك . ولكن الصلة تبدو وثيقة عند قراءة الآية التالية :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم ، لا ينسى أحدا منهم ، سواء في رزقه البرّ والفاجر ، كقوله تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] ولها{[25804]} نظائر كثيرة .

وقوله : { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } أي : يوسع على من يشاء ، { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } أي : لا يعجزه شيء .


[25804]:- (3) في ت: "ولهذا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

{ الله لطيف بعباده } بر بهم بصنوف من البر لا تبلغها الأفهام . { يرزق من يشاء } أي يرزقه كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته . { وهو القوي } الباهر القدرة . { العزيز } المنيع الذي لا يغلب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

ثم رجى تبارك وتعالى عباده بقوله : { الله لطيف بعباده } ، و : { لطيف } هنا بمعنى : رفيق متحف{[10125]} ، والعباد هنا : المؤمنون ومن سبق له الخلود في الجنة ، وذلك أن الأعمال بخواتمها ، ولا لطف إلا ما آل إلى الرحمة ، وأما الإنعام على الكافرين في الدنيا فليس بلطف بهم ، بل هو إملاء واستدراج . وقال الجنيد : لطف بأوليائه حتى عرفوه ولو لطف بالكفار لما جحدوه ، وقيل : { لطيف } معناه في أن نشر عنهم المناقب ، وستر عليهم المثالب{[10126]} . وقيل هو الذي لا يخاف إلا عدله ، ولا يرجى إلا فضله .


[10125]:من التحفي وهو الاهتمام والإكرام، وفي اللسان: اللطف: البر والتكرمة والتحفي.
[10126]:المناقب: الأفعال الكريمة والصفات الحميدة التي يفتخر بها الإنسان، والمثالب: العيوب والصفات القبيحة التي يذم بها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

هذه الجملة توطئة لجملة { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } [ الشورى : 20 ] لأن ما سيذكر في الجملة الآتية هو أثر من آثار لطف الله بعباده ورفقه بهم وما يَسَّر من الرزق للمؤمنين منهم والكفار في الدّنيا ، ثم ما خصّ به المؤمنين من رزق الآخرة ، فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً مقدِّمة لاستئناف الجملة الموطَّإ لها ، وهي جملة { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } الآية [ الشورى : 20 ] . وموقع جملة من كان يريد حرث الآخرة } الخ فسنبينه .

واللطيف : البَر القوي البِرّ . ويدخل في هذا كثير من النعم . فسّر عدد من المفسّرين اللطيف بواهب بعضها وإنما هو تفسيرُ تمثيل لا يخُصُّ دلالةَ الوصف به . وفعل ( لَطَف ) من باب نصر يتعدى بالباء كما هنا وباللام كما في قوله : { إن ربّي لطيفٌ لما يشاء } كما تقدم في سورة يوسف ( 100 ) . وتقدم تحقيقُ معنى اسمه تعالى اللطيف .

وعباده عام لجميع العباد ، وهم نوع الإنسان لأنه جمع مضاف . وجملة { يرزق من يشاء } في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو في موضع خبر عنه .

والرزق : إعطاء ما ينفع . وهو عندنا لا يختص بالحلال وعند المعتزلة يختص به والخلاف اصطلاح .

والظاهر : أن المراد هنا رزق الدّنيا لأن الكلام توطئة لقوله : { من كان يريد حرث الآخرة } [ الشورى : 20 ] .

والمشيئة : مشيئة تقدير الرّزق لكل أحد من العباد ليكون عموم اللطف للعباد باقياً ، فلا يكون قوله : { من يشاء } في معنى التكرير ، إذ يصير هكذا يرزق من يشاء من عباده الملطوففِ بجميعهم ، وما الرزق إلا من اللطف ، فيصيرُ بعضَ المعنى المفاد ، فلا جرم تعيّن أن المشيئة هنا مصروفة لمشيئة تقدير الرزق بمقاديره .

والمعنى : أنه للطفه بجميع عباده لا يترك أحداً منهم بلا رزق وأنه فضل بعضهم على بعض في الرزق جرياً على مشيئته . وهذا المعنى يثير مسألة الخلاف بين أيمة أصول الدّين في نعمة الكافر ، ومِن فروعها رزقُ الكافر . وعن الشيخ أبي الحسن الأشعري أن الكافر غير منعم عليه نعمةً دنيوية لأن ملاذّ الكافر استدراج لمَّا كانت مفضية إلى العذاب في الآخرة فكانت غير نعمة ، ومرادهم بالدنيوية مقابل الدينية . وكأنَّ مراد الشيخ بهذا تحقيق معنى غضب الله على الكافرين كما جاء في آيات كثيرة ، فمراده : أن الكافر غير مُنْعَم عليه نعمةَ رضى وكرامةٍ ولكنها نعمة رحمة لما له من انتساب المخلوقية لله تعالى .

وقال أبو بكر الباقلاني : الكافر منعَم عليه نعمة دُنيوية . وقالت المعتزلة : هو منعم عليه نعمة دنيوية ودينية : فالدنيوية ظاهرة ، والدّينية كالقُدرة على النظر المؤدي إلى معرفة الله .

وهذه مسألة أرجع المحققون الخلافَ فيها إلى اللفظ والبناءِ على المصطلحات والاعتبارات الموافقة لدقائق المذاهب ، إذ لا ينازع أحد في نعمة المنعمين منهم وقد قال تعالى : { وذرْني والمُكذبين أولي النَّعْمَة } [ المزمل : 11 ] .

وعُطف { وهو القوي العزيز } على صفة { لطيف } أو على جملة { يرزق من يشاء } وهو تمجيد لله تعالى بهاتين الصفتين ، ويفيد الاحتراس من توهم أن لطفه عن عجز أو مصانعة ، فإنه قوي عزيز لا يَعجز ولا يصانِع ، أو عن توهم أن رزقه لمن يشاء عن شحّ أو قِلّةٍ فإنه القويّ ، والقوي تنتفي عنه أسباب الشحّ ، والعزيز ينتفي عنه سبب الفقر فرزقه لمن يشاء بما يشاء منوط لحكمة عَلِمها في أحوال خلقه عامة وخاصة ، قال تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكِنْ ينزِّل بقَدَر ما يشاء } [ الشورى : 27 ] الآية .

والإخبار عن اسم الجلالة بالمسند المعَرّففِ باللام يفيد معنى قصر القوة والعزة عليه تعالى ، وهو قصر الجنس للمبالغة لكماله فيه تعالى حتى كأنَّ قوة غيره وعزّة غيره عَدَم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{الله لطيف بعباده} البر منهم والفاجر...

{يرزق من يشاء وهو القوي} في هلاكهم {العزيز} في نقمته منهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: الله ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقترّ على من يشاء منهم "وَهُوَ القَوِيّ "الذي لا يغلبه ذو أيدٍ لشدّته، ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته "العَزِيزُ" في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

من الناس من قال: إن الآية، وإن جاءت مجيئا عاما فهي خاصة للمؤمنين: هو لطيف أي بارٌّ بالمؤمنين، ومنهم من يقول: إن الآية للفريقين جميعا. للكافر والمؤمن فأما في الآخرة فهو رحيم بار بالمؤمنين خاصة.

ويحتمل أن يكون رحيما بارًّا بالفريقين.

أما في حق المؤمنين فلا شك أنه بار رحيم بهم، وأما الكفرة فهو بار في حقهم حين أخّر عنهم العذاب في الدنيا.

ثم في حق المحنة يجوز أن يوصف بالرحمة في الفريقين جميعا على ما ذكرنا. فإن قيل إنه وصف نفسه بالحلم والرحمة، وقد أخبر أنه يعذّبهم في الآخرة. قيل: إنه وإن عذّبهم فإن ذلك لا يُخرجه عن الحلم والرحمة؛ لأنه لو ترك تعذيبهم يكون سفيها؛ لأنهم قد استحقوا بالكفر التعذيب أبدا، وليس في التعذيب خروج عن الرحمة والحلم، بل في ترك التعذيب سفه وخروج عن الحكمة، لذلك كان ما ذكرنا.

{وهو القوي العزيز} هذا يخرَّج على وجهين: أحدهما: أنه لا يقوى بشيء مما أمرهم به وامتحنهم ولا يعز بذلك؛ لأنه قوي بذاته عزيز بنفسه.

الثاني: {القوي} في الانتقام والانتصار من أعدائه لأوليائه.

{العزيز} الذي لا يُعجزه شيء، ولا يلحقه الذل في ترك الطاعة والائتمار...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" الله لطيف بعباده "فلطفه بعباده إيصاله المنافع إليهم من وجه يدق على كل عاقل إدراكه، وذلك في الأرزاق التي قسمها الله لعباده وصرف الآفات عنهم، وإيصال السرور إليهم والملاذ، وتمكينهم بالقدرة والآلات إلى غير ذلك من ألطافه التي لا تدرك على حقيقتها ولا يوقف على كنهها لغموضها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{لَطِيفُ} أي عالم بدقائق الأمور وغوامضها. واللطيف هو المُلْطِف المحسن.. وكلاهما في وصفه صحيح. واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليومَ هو لُطْفٌ منه به.

وأكثرُ ما يستعمل اللطف- في وصفه- في الإحسان بالأمور الدينية.

ويقال: خَاطَبَ العابدين بقوله: {لَطيفٌ بِعِبَادِهِ}: أي يعلم غوامضَ أحوالهم. من دقيق الرياء والتصنُّع لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم وأعمالهم.

وخاطَبَ العُصاةَ بقوله:"لطيف" : لئلا ييأسوا من إحسانه.

ويقال: خاطَبَ الأغنياءَ بقوله: "لطيف ": ليعلموا أنه يعلم دقائقَ معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل، وخاطَبَ الفقراءَ. بقوله: "لطيف "أي أنه مُحْسِنٌ يرزق من يشاء.

ويقال: سماعُ قوله: "اللَّهُ" يوجِبَ الهيبةَ والفزع، وسماعُ "لطيفٌ" يوجِبُ السكونَ والطمأنينة، فسماعُ قوله: "اللَّهُ" أوجب لهم تهويلاً، وسماع قوله: "لطيفٌ" أوجب لهم تأميلاً.

ويقال: اللطيفُ مَنْ يعطي قَدْرَ الكفاية وفوق ما يحتاج العبدُ إليه.

ويقال: مَنْ لُطفِه بالعبد عِلْمُه بأنه لطيف، ولولا لُطفُه لَمَا عَرَفَ أنه لطيف.

ويقال: مِنْ لُطْفِه أنه أعطاه فوق الكفاية، وكَلَّفَه دون الطاقة.

ويقال: مِنْ لُطفِه بالعبد إبهام عاقبته عليه؛ لأنه لو علم سعادتَه لاتَّكَلَ عليه، وأَقَلَّ عملَه ولو عَلِمَ شقاوتَه لأيِسَ ولَتَرَكَ عَمَله.. فأراده أن يستكثرَ في الوقت من الطاعة.

ويقال: من لطفه بالعبد إخفاءُ أَجِلِه عنه؛ لئلا يستوحش إن كان قد دنا أَجَلُه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

لا لطف إلا ما آل إلى الرحمة، وأما الإنعام على الكافرين في الدنيا فليس بلطف بهم بل هو إملاء واستدراج...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{يرزق من يشاء} يعني أن أصل الإحسان والبر عام في حق كل العباد، وذلك هو الإحسان بالحياة والعقل والفهم، وإعطاء ما لا بد منه من الرزق، ودفع أكثر الآفات والبليات عنهم، فأما مراتب العطية والبهجة فمتفاوتة مختلفة...

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

{يرزق من يشاء} يعني: الرزق الزائد على المضمون لكل حيوان في قوله: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6] أي: ما تقوم به الحياة، فإن هذا على العموم لكل حيوان طول عمره والزائد خاص بمن شاء الله...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان حاصل أمر الفريقين أنه أظهر خوف الكافرين في غاية الأمن وأبطن أمن المؤمنين في أزعج خوف، وكان هذا عين اللطف، فأنه الوصول إلى الشيء بضده، ويطلق على إيصال البر إلى الخلق على وجه يدق إدراكه، وكان أكثر ما يبطئ بالإنسان في أمر الدين اهتمامه بالرزق، أنتج ذلك قوله: {الله} أي الذي له الأمر كله فهو يفعل ما يريد {لطيف} أي بالغ في العالم وإيقاع الإحسان بإيصال المنافع، وصرف المضار على وجه يلطف إدراكه...

ولما كان أظهر ما يكون هذا الوصف في الرزق، فإنه يوسع على من لا حيلة له، ويحرم من هو في غاية القوة والقدرة، ويرفع الضعيف الجبان ويخفض القوي الشجاع، وكل ذلك على حسب ما يعلم من بواطنهم ويزيد من أعمالهم، قال دالاً على ذلك استئنافاً لمن سأل عن كيفية اللطف: {يرزق من يشاء} مهما شاء على سبيل من السعة أو الضيق أو التوسط لا مانع له من شيء من ذلك، ويمنع الرزق عمن يشاء إذا علم فراغ أجله فيتوفاه إليه فأجهدوا أنفسكم في طلب مرضاته، ولا تلتفتوا إلى الخوف من الحاجة فإنه قد فرغ من تقدير الرزق ونهى عن المبالغة في طلبه.

ولما كان ذلك لا يستطيعه أحد سواه لما يحتاج إليه من القوة الكاملة والعزة الشاملة قال: {وهو القوي} أي فلا يضيق عطاؤه بشيء.

{العزيز} فلا يقدر أحد أن يمنعه عن شيء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه الجملة توطئة لجملة {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} [الشورى: 20] لأن ما سيذكر في الجملة الآتية هو أثر من آثار لطف الله بعباده ورفقه بهم وما يَسَّر من الرزق للمؤمنين منهم والكفار في الدّنيا، ثم ما خصّ به المؤمنين من رزق الآخرة، فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً مقدِّمة لاستئناف الجملة الموطَّإ لها، وهي جملة {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} الآية [الشورى: 20]...

وعُطف {وهو القوي العزيز} على صفة {لطيف} أو على جملة {يرزق من يشاء} وهو تمجيد لله تعالى بهاتين الصفتين، ويفيد الاحتراس من توهم أن لطفه عن عجز أو مصانعة، فإنه قوي عزيز لا يَعجز ولا يصانِع، أو عن توهم أن رزقه لمن يشاء عن شحّ أو قِلّةٍ فإنه القويّ، والقوي تنتفي عنه أسباب الشحّ، والعزيز ينتفي عنه سبب الفقر فرزقه لمن يشاء بما يشاء منوط لحكمة عَلِمها في أحوال خلقه عامة وخاصة، قال تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكِنْ ينزِّل بقَدَر ما يشاء} [الشورى: 27] الآية...