فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

{ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } أي كثير اللطف بهم ، بالغ الرأفة لهم ، قال مقاتل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم ، قال عكرمة :

بار بهم وقال السدي : رفيق بهم وقيل : حفي بهم . وقال القرطبي : لطيف بهم في العرض والمحاسبة ، وقيل : في إيصال المنافع وصرف البلاء ، وقيل لطف بالغوامض علمه ، وعظم عن الجرائم حلمه ، وقيل اللطيف من ينشر المناقب ويستر المثالب ، أو يعفو عمن يهفو ، أو يعطي العبد فوق الكفاية ، ويكلفه الطاعة دون الطاقة .

وقال الجنيد : لطف بأوليائه فعرفوه ولولا لطفه بأعدائه ما جحدوه وقال جعفر الصادق : يلطف بهم في الرزق من وجهين ، أحدهما أنه جعل رزقك من الطيبات ، الثاني أنه لم يدفع إليك مرة واحدة فتبذره .

وقال الحسين بن الفضل : لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره . وقيل : اللطيف الذي لا يخاف إلا عدله ولا يرجى إلا فضله{[1468]} ، وقيل هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه ، وقيل هو الذي أوقد للعلماء من الكتاب والسنة سراجا ، وجعل لهم الصراط المستقيم والدين القيم منهاجا ، وأنزل لهم من سحائب بره ومَنِّه ولطفه وكرمه وإحسانه ماء ثجاجا وقيل غير ذلك .

وحاصل المعنى أنه يجري لطفه على عباده في كل أمورهم ومن جملة ذلك الرزق الذي يعيشون به في الدنيا وهو معنى قوله { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } منهم كيف يشاء فيوسع على هذا ويضيق على هذا ، وفي تفضيل قوم بالمال حكمة ليحتاج البعض إلى البعض ، كما قال يتخذ بعضهم بعضا سخريا ، وكان هذا لطفا بالعباد ليمتحن الغني بالفقير ، والفقير بالغني . وقيل ما يشاء من أنواع الرزق فهو وإن كان يرزق كل ذي روح لكنه فاوت بين المرزوقين في الرزق ، قلة وكثرة وجنسا ونوعا لحكمة يعلمها هو .

{ وَهُوَ الْقَوِيُّ } العظيم القوة الباهر القدرة { الْعَزِيزُ } الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء .


[1468]:سقط من الأصل: وقيل: هو الذي يعين على الخدمة ويكثر المدحة، وقيل: هو الذي لا يعالج من عصاه ولا يخيب من رجاه، وقيل: هو الذي لا يرد سائله ولا يؤيس آمله