الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

{ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } برّ بليغ البرّ بهم ، قد توصل برّه إلى جميعهم ، وتوصل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه ، وهم أحد من كلياته وجزئياته .

فإن قلت : فما معنى قوله : { يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ } بعد توصل برّه إلى جميعهم ؟ قلت : كلهم مبرورون لا يخلو أحد من برّه ، إلا أنّ البرّ أصناف ، وله أوصاف . والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا الحكمة والتدبير ، فيطير لبعض العباد صنف من البر لم يطر مثله لآخر ، ويصيب هذا حظ له وصف ليس ذلك الوصف لحظ صاحبه ، فمن قسم له منهم ما لا يقسم للآخر فقد رزقه ، وهو الذي أراد بقوله : { يَرْزُقُ مَن يَشَاء } [ البقرة : 212 ] كما يرزق أحد الأخوين ولداً دون الآخر ، على أنه أصابه بنعمة أخرى لم يرزقها صاحب الولد { وَهُوَ القوى } الباهر القدرة ، الغالب على كل شيء { العزيز } المنيع الذي لا يغلب .