التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (19)

قوله تعالى : { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ( 19 ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ( 20 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 21 ) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } .

يبين الله لطفه بعباده وإحسانه إليهم ؛ إذ رزقهم من واسع فضله وجزيل بركاته وكرمه . وأنزل إليهم الكتاب فيه تبصرة لهم وهداية وبعث فيهم نبيين من أنفسهم لينذروهم لقاء الله ويحذروهم يوم المعاد وليستنقذوهم من خُسران الدنيا والآخرة .

فقال سبحانه في كلماته الربانية العجيبة : { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } { لطيفٌ } من اللطف وهو الرفق . واللطف من الله معناه التوفيق والعصمة . {[4097]}

وهذه حقيقة راسخة تنطق بها كلمات الله الفُضلى ، ويفيض بها قوله الحق والصدق وهو أن الله رفيق بالعباد وحفيٌّ بهم فلا يظلمهم ولا يحيف عليهم ؛ بل إنه عز وعلا قد أسبغ عليهم رحمته وفضله وإحسانه ما أقام به عليهم الحجة . ومن جملة لطف الله بالعباد وبالغ رأفته لهم ، ذلك الرزق الذي جعله لهم ليقتاتوا ويعيشوا مطمئنين في الأرض ، فلا تقُضُّهم القلة ولا يعُضُّهم الجوع ، سواء فيهم المؤمنون والكافرون . فكلهم ينالون حظهم من الرزق الذي كتب الله لهم في هذه الدنيا .

وهذا هو قوله : { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } يرزق الله جميع الناس . ورزقُهُ لهم على أقدار متفاوتة . فيوسع على هذا ويضيِّقُ على هذا . وفي ذلك حكمة لله بالغة يعلمها هو سبحانه .

قوله : { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } الله القوي الجبار ، الذي تهبط تحت قهره وجبروته كل القوى . وهو سبحانه العزيز . أي المنيع الجناب الذي لا يغْلبُهُ غالب .


[4097]:مختار الصحاح ص 598 والمصباح المنير ج 2 ص 216.