المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

41- شأن المبطلين الموالين لغير الله في الضعف والوهن والاعتماد على غير معتمد ؛ كشأن العنكبوت في اتخاذها بيتاً تحتمي به ، وبيتها أوهى البيوت وأبعد عن الصلاحية للاحتماء ، ولو كان هؤلاء المبطلون أهل علم وفطنة لما فعلوا ذلك{[171]} .


[171]:{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}: بيوت العنكبوت التي تبنيها لسكناها وللقبض على فريستها دقيقة الصنع لأنه تكون من خيوط على درجة عالية من الرقة تفوق رقة الحرير، وهذا مما يجعل نسيجها أضعف بيت يتخذه أي حيوان مأوى له.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

قوله تعالى : { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } أي : الأصنام ، يرجون نصرها ونفعها ، { كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } لنفسها تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حراً ولا برداً ، وكذلك الأوثان لا تملك لعابديها نفعاً ولا ضراً . { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

14

والآن . وعلى مصارع العتاة البغاة من الكفرة والظلمة والفسقة على مدار القرون . . والآن . وبعد الحديث في مطالع السورة عن الفتنة والابتلاء والإغراء . . الآن يضرب المثل لحقيقة القوى المتصارعة في هذا المجال . . إن هنالك قوة واحدة هي قوة الله . وما عداها من قوة الخلق فهو هزيل واهن ، من تعلق به أو احتمى ، فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت من خيوط واهية . فهي وما تحتمي به سواء :

مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهوالعزيز الحكيم . وتلك الأمثال نضربها للناس ، وما يعقلها إلا العالمون . .

إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود . الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا ، فيسوء تقديرهم لجميع القيم ، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات ، وتختل في أيديهم جميع الموازين . ولا يعرفون إلى أين يتوجهون . ماذا يأخذون وماذا يدعون ?

وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض ، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم ، ويخشونها ويفزعون منها ، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها ، أو يضمنوا لأنفسهم حماها !

وتخدعهم قوة المال ، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة . ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب ؛ ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون !

وتخدعهم قوة العلم يحسبونها أصل القوة وأصل المال ، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول ، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب !

وتخدعهم هذه القوى الظاهرة . تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول ، فيدورون حولها ، ويتهافتون عليها ، كما يدور الفراش على المصباح ، وكما يتهافت الفراش على النار !

وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة ، وتملكها ، وتمنحها ، وتوجهها ، وتسخرها كما تريد ، حيثما تريد . وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد ، أو الجماعات ، أو الدول . . كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت . . . حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو ، ولا وقاية لها من بيتها الواهن .

وليس هنالك إلا حماية الله ، وإلا حماه ، وإلا ركنه القوي الركين .

هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة ، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها ؛ وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ودكت بها المعاقل والحصون .

لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس ، وعمرت كل قلب ، واختلطت بالدم ، وجرت معه في العروق ، ولم تعد كملة تقال باللسان ، ولا قضية تحتاج إلى جدل . بل بديهة مستقرة في النفس ، لا يجول غيرها في حس ولا خيال .

قوة الله وحدها هي القوة . وولاية الله وحدها هي الولاية . وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل ؛ مهما علا واستطال ، ومهما تجبر وطغى ، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل .

إنها العنكبوت : وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت : ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .

وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذى ، وللإغراء والإغواء . لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة ، وهم يواجهون القوى المختلفة . هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم . وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم . . وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله ، وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة ، وحين تعرف حقيقة القوى وتحسن التقويم والتقدير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، يرجون نصرهم ورزقهم ، ويتمسكون بهم في الشدائد ، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه{[22591]} فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت ، فإنه لا يجدي عنه شيئا ، فلو عَلموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء ، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله ، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك{[22592]} بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، لقوتها وثباتها .

ثم قال تعالى متوعدا لِمَنْ عبد غيره وأشرك به : إنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال ، ويعلم ما يشركون به من الأنداد ، وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم .


[22591]:- في ت : "وذهابه".
[22592]:- في ف : "متمسك".