فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

{ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } يوالونهم ، ويتكلون عليهم حاجتهم من دون الله سواء كانوا من الجماد أو الحيوان ، ومن الأحياء أو من الأموات { كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } لنفسها ، تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهن ، ولا يغني عنها شيئا لا في حر ، ولا قر ، ولا مطر كذلك ما اتخذوه وليا من دون الله . فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ولا يغني عنهم شيئا شبه حال من اتخذ الأصنام والأوثان والأحبار والرهبان أولياء وعبدها ، واعتمد عليها ، راجيا لنفعها وشفاعتها ، بحال العنكبوت التي اتخذت بيتا لا يغني عنها في مطر ولا أذى . قال الفراء : هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره ، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا . قال : ولا يحسن الوقف على العنكبوت ، لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء ، شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به ، وقد جوز الوقف على العنكبوت الأخفش وغلطه ابن الأنباري ، قال لأن ( اتخذ ) صلة للعنكبوت . كأنه قال : كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتا ، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصل .

والعنكبوت تقع على الواحد والجمع ؛ والمذكر والمؤنث ، ونونه أصلية والواو والتاء مزيدتان ، بدليل قولهم في الجمع عناكيب وفي التصغير عنيكيب ، وهذا مطرد في أسماء الأجناس ؛ ويجمع على عكاب وعكبة وأعكاب وعناكب . وعنكبوتات أيضا وهي الدويبة الصغيرة التي تنسج نسجا رقيقا وقد يقال لها عنكبات ، والغالب في استعماله التأنيث .

{ وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } لا بيت أضعف منه ، مما يتخذه الهوام بيتا ، ولا يدانيه في الوهن ، والوهن شيء من ذلك ، فإن الريح إذا هبت عليه أو لمسه لامس فلا يبقى له عين ولا أثر فكما أن أوهن البيوت بيته كذلك أضعف الأديان دين عبدة الأوثان ، ومن يعبد غير الله أو يتخذه وليا وأربابا من دونه كمقتدي الأحبار والرهبان ومقلديهم .

{ لو كانوا يعلمون } أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتا ، وأن أمر دينهم بلغ هذه الغاية من الوهن ما عبدوها ، أو لو كانوا يعلمون شيئا من العلم لعلموا لهذا . قال ابن عباس في الآية : ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت .

وأخرج أبو داود في مراسيله . عن يزيد بن مرثد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العنكبوت شيطان مسخه الله ، فمن وجدها فليقتلها " وعن يزيد بن ميسرة قال " العنكبوت شيطان " .

وأخرج الخطيب عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت أنا وأبو بكر الغار ، فاجتمعت العنكبوت فنسجت باب فلا تقتلوهن " .

وروى القرطبي في تفسيره عن عليّ أنه قال : طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر ، وعن عطاء الخراساني قال : نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود عليه السلام ، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم .