فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

قوله : { مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء } يوالونهم ، ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله سواء كانوا من الجماد أو الحيوان ، ومن الأحياء أو من الأموات { كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً } فإن بيتها لا يغني عنها شيئاً لا في حرّ ولا قرّ ولا مطر ، كذلك ما اتخذوه ولياً من دون الله ، فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ، ولا يغني عنهم شيئاً . قال الفراء : هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضرّه ، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرّاً ، ولا برداً . قال : ولا يحسن الوقف على العنكبوت ؛ لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضرّ به ، وقد جوّز الوقف على العنكبوت الأخفش ، وغلطه ابن الأنباري قال : لأن { اتخذت } صلة للعنكبوت كأنه قال : كمثل العنكبوت التي { اتخذت } بيتاً ، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول . والعنكبوت تقع على الواحد ، والجمع والمذكر والمؤنث ، وتجمع على عناكب وعنكبوتات ، وهي : الدّويبة الصغيرة التي تنسج نسجاً رقيقاً . وقد يقال لها : عكنبات ، ومنه قول الشاعر :

كأنما يسقط من لغامها *** بيت عكنبات على زمامها

{ وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت } لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوامّ بيتاً ، ولا يدانيه في الوهي والوهن شيء من ذلك { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتاً ، أو لو كانوا يعلمون شيئاً من العلم لعلموا بهذا .

/خ46