المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

80- ولقد أرسلنا لوطاً - نبي الله - إلى قومه ، يدعوهم إلى التوحيد ، وينبههم إلى وجوب التخلى عن أقبح جريمة يفعلونها . أتأتون الأمر الذي يتجاوز الحد في القبح والخروج على الفطرة وقد ابتدعتم تلك الفاحشة بشذوذكم ، فلم يسبقكم بها أحد من الناس ؟

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

قوله تعالى : { ولوطاً } ، أي : وأرسلنا لوطاً ، وقيل : معناه واذكر لوطاً . وهو لوط بن هاران ، بن تارخ ، ابن أخي إبراهيم .

قوله تعالى : { إذ قال لقومه } ، وهم أهل سدوم ، وذلك أن لوطاً شخص من أرض بابل سافر مع عمه إبراهيم عليه السلام مؤمناً مهاجراً معه إلى الشام ، فنزل إبراهيم فلسطين ، وأنزل لوطاً الأردن ، فأرسله الله عز وجل إلى أهل سدوم فقال لهم { أتأتون الفاحشة } ، يعني إتيان الذكر .

قوله تعالى : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } ، قال عمرو بن دينار ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا إلا كان من قوم لوط .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

59

وتمضي عجلة التاريخ ، فيظلنا عهد إبراهيم - عليه السلام - ولكن السياق لا يتعرض هنا لقصة إبراهيم . ذلك أن السياق يتحرى مصارع المكذبين ؛ متناسقاً مع ما جاء في أول السورة : ( وكم من قرية أهلكناها ، فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون ) . . وهذا القصص إنما هو تفصيل لهذا الإجمال في إهلاك القرى التي كذبت بالنذير . . وقوم إبراهيم لم يهلكوا لأن إبراهيم - عليه السلام - لم يطلب من ربه هلاكهم . بل اعتزلهم وما يدعون من دون الله . . إنما تجيء هنا قصة قوم لوط - ابن أخي إبراهيم - ومعاصره ، بما فيها من إنذار وتكذيب وإهلاك . يتمشى مع ظلال السياق ، على طريقة القرآن :

( ولوطا إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ إنكم لتأتون الرجال - شهوة - من دون النساء . بل أنتم قوم مسرفون . وما كان جواب قومه إلا أن قالوا : أخرجوهم من قريتكم ، إنهمأناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين . وأمطرنا عليهم مطراً ، فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )

وتكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة ؛ وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد التي كانت مدار القصص السابق . ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد . . إن الإعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه . وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكراً وأنثى ، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما ، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل ؛ وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى . . ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء ، صالحين للنسل عن طريق هذا الإلتقاء ، مجهزين عضوياً ونفسياً لهذا الالتقاء . . وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة ، والرغبة في إتيانها أصيلة ، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة ؛ ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعاً في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية . من حمل ووضع ورضاعة . ومن نفقة وتربية وكفالة . . ثم لتكون كذلك ضماناً لبقائهما ملتصقين في أسرة ، تكفل الأطفال الناشئين ، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان ، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم !

هذه هي سنة الله التي يتصل إدراكها والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في الله وحكمته ولطف تدبيره وتقديره . ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلاً بالانحراف عن العقيدة ، وعن منهج الله للحياة .

ويبدو انحراف الفطرة واضحاً في قصة قوم لوط ، حتى أن لوطا ليجبههم بأنهم بدع دون خلق الله فيها ، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين :

( ولوطاً إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

يقول تعالى : { وَ } قَدْ أَرْسَلْنَا { لُوطًا } أو تقديره : { وَ } اذكر { لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }

ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما{[11947]} السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله [ تعالى ]{[11948]} إلى أهل " سَدُوم " وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله ، عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور . وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل " سَدُوم " عليهم لعائن الله .

قال عمرو بن دينار : قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } قال : ما نزا ذَكَر على ذَكَر ، حتى كان قوم لوط .

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، باني جامع دمشق : لولا أن الله ، عز وجل ، قص علينا خبر لوط ، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا .

ولهذا قال لهم لوط ، عليه السلام : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } أي : عدلتم{[11949]} عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : { [ قَالَ ]{[11950]} هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .

وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى{[11951]} بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى{[11952]} بعضهن ببعض أيضًا .


[11947]:في ك، أ: "عليه".
[11948]:زيادة من أ.
[11949]:في د، م: "أعدلتم".
[11950]:زيادة من أ.
[11951]:في ك، م: "اغتني".
[11952]:في ك: "استغنين".