الآية 80 وقوله تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة } ذكر في غيره من الأنبياء دعاءهم قومهم إلى عبادة الله ووحدانيته على ما قال نوح : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } [ الأعراف : 59و . . ] وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم من الأنبياء ، ولم يذكر في لوط ذلك إلا ههنا ، ولا يحتمل أن لم يكن منه الدعاء إلى ما كان من غيره من الأنبياء إلى توحيد الله وعبادته قبل النهي عن الفواحش والتعيير عليها ، وهو ما ذكر في سورة{[8607]} أخرى : { كذّبت قوم لوط المرسلين } { إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون } { إني لكم رسول أمين } { فاتقوا الله وأطيعون } [ الشعراء : 160و161و162و163 ] كان من الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، دعاء قومهم إلى عبادة الله ووحدانيته أولا ، ثم النهي عما ارتكبوا من الفواحش /179-ب/ والمعاصي والتعيير عليها .
وقوله تعالى : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } وقوله تعالى : { ما سبقكم بها من أحد } يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير الله كقولهم : { أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا } [ الأعراف : 70 ] وقولهم : { وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 66 ] وقولهم{[8608]} { وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 23 ] وقولهم{[8609]} { بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } [ الشعراء : 74 ] ونحو ما قالوا .
فعلى ذلك من قوم لوط للوط لمّا دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، فأجابهم بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم ، فقال : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } أي تعملون أنتم أعمالا لا يعملها آباؤكم ، ولا تقلّدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة فقال : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } يعيّرهم ، ويسفّه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد{[8610]} بها من العالمين على علم منهم أن ذلك فاحشة .
ألا ترى [ أنهم ]{[8611]} قالوا : { إنهم أناس يتطهرون } ؟ [ الأعراف : 82 ] ذكر هذا القول على ما يأتون من الفواحش ؛ يأتون على علم منهم أنها فواحش حين{[8612]} قالوا { إنهم أناس يتطهرون } [ الأعراف : 82 ] .
ثم قوله تعالى : { الفاحشة } لما [ هو ]{[8613]} في العقل والشرع [ فاحش ]{[8614]} ؛ لأن ما حرّم من المحرمات على الخلق [ وأحل المحلّلات نعمة وفضل ]{[8615]} منه لهم على ذلك . ثم جعل في ما أحل لهم من الأطعمة والأشربة والاستمتاع بالنساء والجواري دواما{[8616]} لهذا العالم ؛ لأنهم لو تركوا التناول من ذلك لهلكوا ، وانقطع هذا العالم لما ينقطع نسلهم . ثم ركّب فيهم الشهوات والحاجات التي تبعثهم على التناول مما أحل لهم ليدوم هذا العالم ؛ لأنه أحل لهم الشهوة{[8617]} خاصة ، ولكن لما ذكرنا . فأخبر أن ما يأتون هم فاحشة لما ليس إتيانهم إياها{[8618]} ؟ إلا لنفس قضاء الشهوة ؛ إذ ليس في ذلك دوام العالم وبقاؤه . فهو في العقل فاحش محرّم ، وإن لم يرد فيه النهي ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.