مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

قوله تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين }

اعلم أن هذا هو القصة الرابعة . قال النحويون : إنما صرف لوط ونوح لخفته ، فإنه مركب من ثلاثة أحرف ، وهو ساكن الوسط { أتأتون الفاحشة } أتفعلون السيئة المتمادية في القبح ؟ وفي قوله : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } وفيه بحثان :

البحث الأول : قال صاحب «الكشاف » : { من } الأولى زائدة لتوكيد النفي ، وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض .

فإن قيل : كيف يجوز أن يقال : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } مع أن الشهوة داعية إلى ذلك العمل أبدا ؟

والجواب : أنا نرى كثيرا من الناس يستقذر ذلك العمل ، فإذا جاز في الكثير منهم استقذاره لم يبعد أيضا انقضاء كثير من الإعصار بحيث لا يقدم أحد من أهل تلك الأعصار عليه ، وفيه وجه آخر ، وهو أن يقال : لعلهم بكليتهم أقبلوا على ذلك العمل ، والإقبال بالكلية على ذلك العمل مما لم يوجد في الأعصار السابقة . قال الحسن : كانوا ينكحون الرجال في أدبارهم ، وكانوا لا ينكحون إلا الغرباء . وقال عطاء عن ابن عباس : استحكم ذلك فيهم حتى فعل بعضهم ببعض .

البحث الثاني : قوله : { ما سبقكم } يجوز أن يكون مستأنفا في التوبيخ لهم ، ويجوز أن يكون صفة الفاحشة ، كقوله تعالى : { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } [ يس : 37 ] وقال الشاعر :

ولقد أمر على اللئيم يسبني *** . . .