التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

قوله تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين 80 إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون 81 وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون 82 فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين 83 وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } .

لوط من الأسماء الأعجمية وليس من العربية ؛ فهو غير مشتق وقد صرف لخفته ؛ لأنه من على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط . قال سيبويه : نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة فصرفت . وقيل : لاط يلوط أي عمل عمل قومه كلاوط وتلوط . استلاطه ، أي ألزقه بنفسه{[1463]} .

ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل وكان معه في أرض بابل من العراق . وقد هاجر إبراهيم إلى الشام ونزل فلسطين وأنزل لوطا الأردن فأرسله الله إلى أهل سدوم بحمص . أو هي مدائن قوم لوط كان قاضيها يقال له سدوم{[1464]} .

وقوم لوط أهل فاحشة وقذر تنفر منه الطبائع السليمة وتتقزز منه النفس الإنسانية المستقيمة . وهم قوم أسرفوا في المجاوزه المشينة الكريهة ، وغالوا في الإفلات من ربقة الفطرة الكريمة والمنطق السليم ؛ فقارفوا من الفحش والرذيلة ما جاوز الأوهام والظنون . ولنا : أن نعي هذه الخصلة الشاذة النكراء ونحن نتصور نكاح الرجال للرجال . إن ذلكم غاية في البشاعة والنكر . وذلكم اللواط . لا جرم أن فاحشة اللواط من أخس الخسائس التي سقط فيها هؤلاء القوم الذين فسدت فيهم الفطرة الآدمية فغاصوا في الرجس غوصا ما سبقهم إليه شعب من الشعوب ولا أمة من الأمم إلا ما نسمعه من نداءات مهينة مسفة في زماننا الراهن حيث الحضارة المادية الكنود . حضارة المال والشهوات والجنس . الحضارة التي تتيح لأولي الطبائع المستقبحة أن يجاهروا بقذر اللواط في القانون الراعي لذلك والمجوز له تجويزا صريحا . فيا لعار الحضارة المريضة النتنة التي تروج للقاذروات وخسائس الطبع الآسن الشاذ لنجاهر به علانية من على منصات الإعلام كله وتحت قبب البرلمانات الدولية في أوربا وأمريكا ! !

لقد سبق القرآن كل هذه الحضارات الآسنة المزيفة ؛ إذ حرم اللواط تحريما غليظا وشدد في النهي عنه والتحذير منه ؛ حرصا على الإنسانية أن ينال منها الرجس والقذر والشذوذ ؛ وصونا للأفراد والمجتمعات من كل ألوان المفاسد والقاذورات والموبقات النفسية والشخصية والاجتماعية المدمرة كاللواط . وها هو القرآن يهتف بالتنديد بهذه الفعلة الوبيلة النكراء ؛ إذ يحكي قصة نبي الله لوط مع قومه الفاسدين الأشقياء الذين سقطوا في وهدة هذا المرض الوبيل . فقال سبحانه : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين } لوطا منصوب بفعل محذوف تقديره أرسلنا والاستفهام في قوله : { أتأتون } للتوبيخ والتقريع . وإيتان الفاحشة يراد به هنا إتيان الذكور على سبيل التلاوط . فقد خاطب لوط قومه مستنكرا موبخا : أتفعلون تلك الفعلة النكراء التي لم يسبق أن فعلها أناس أو أمة قبلكم ؟ !


[1463]:القاموس المحيط ج، 2 ص 398 ومختار الصحاح ص 608.
[1464]:لسان العرب جـ 12 ص 285.