وهو أن أمرهم عليه سبحانه ؛ وقدرته على الذهاب بهم والمجيء بغيرهم :
( إن يشأ يذهبكم - أيها الناس - ويأت بآخرين . وكان الله على ذلك قديرًا ) . .
وهو قادر على أن يذهب بهم ويستبدل قوما غيرهم ، إنما هو يوصيهم بالتقوى لصلاحهم هم ، ولصلاح حالهم .
وبقدر ما يقرر الإسلام كرامة الإنسان على الله ؛ وتكريمه على كل ما في الأرض ، وكل من في الكون . . بقدر ما يقرر هو أنه على الله حين يكفر به ، ويعتو وتجبر ، ويدعي خصائص الألوهية بغير حق . . فهذه كفاء تلك في التصور الإسلامي ، وفي حقيقة الأمر والواقع كذلك . .
{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ ذَلِكَ قَدِيراً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { إنْ يَشَأْ } الله أيها الناس { يُذْهِبْكُمْ } أي يذهبكم باهلاككم وإفنائكم . { وَيأْتِ بآخَرِين } يَقول : ويأت بناس آخرين غيركم ، لمؤازرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونصرته . { وكانَ اللّهُ على ذَلِكَ قَدِيرا } يقول : وكان الله على إهلاككم وإفنائكم ، واستبدال آخرين غيركم بكم قديرا ، يعني : ذا قدرة على ذلك . وإنما وبخ جلّ ثناؤه بهذه الاَيات الخائنين الذين خانوا الدرع التي وصفنا شأنها ، الذين ذكرهم الله في قوله : { وَلا تَكُنْ للخائِنِينَ خَصِيما } وحذّر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم ، وأن يفعلوا فعل المرتدّ منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين ، وعرّفهم أن من فعل فعله منهم فلن يضرّ إلا نفسه ولن يوبق بردّته غير نفسه ، لأنه المحتاج مع جميع ما في السموات وما في الأرض إلى الله ، والله الغنيّ عنهم . ثم توعدهم في قوله : { إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرينَ } بالهلاك والاستئصال إن هم فعلوا فعل ابن أبيرق طعمة المرتدّ ، وباستبدال آخرين غيرهم بهم لنصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبته ومؤازرته على دينه ، كما قال في الاَية الأخرى : { وَإنْ تَتَوَلّوْا يَسْتَبْدْل قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمّ لا يَكُونُوا أمْثالَكُمْ } .
وقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها لما نزلت ، ضرب بيده على ظهر سلمان ، فقال : «هُمْ قَوْمُ هَذَا » يعني عجم الفرس¹ كذلك .
حُدثت عن عبد العزيز بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { إنْ يشأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرِينَ وكانَ اللّهُ على ذَلِكَ قَدِيرا } قادر والله ربنا على ذلك ، أن يهلك من يشاء من خلقه ، ويأتي بآخرين من بعدهم .
قوله تعالى : { أيها الناس } مخاطبة للحاضرين من العرب ، وتوقيف للسامعين لتحضر أذهانهم ، وقوله { بآخرين } يريد من نوعكم ، وروي عن أبي هريرة أنه لما نزلت هذه الآية ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على كتف سلمان الفارسي وقال : هم قوم هذا ، وتحتمل ألفاظ الآية أن تكون وعيداً لجميع بني آدم ، ويكون الآخرون من غير نوعهم ، كما قد روي : أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني آدم ، وقدرة الله تعالى على ما ذكر تقضي بها العقول ببدائهها ، وقال الطبري هذا الوعيد والتوبيخ هو للقوم الذين شفعوا في طعمة بن أبيرق وخاصموا عنه في أمر خيانته في الدرع والدقيق .
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : وهذا تأويل بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة أو العالم الحاضر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.