اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأۡتِ بِـَٔاخَرِينَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرٗا} (133)

قوله تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ [ أَيُّهَا النَّاسُ ]{[10026]} وَيَأْتِ بِآخَرِينَ [ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذلِكَ قَدِيراً } ]{[10027]}

والمعنى : أنه تعالى قادرٌ على الإفْنَاء والإيجادِ ، فإن عَصَيْتُموه فإنه قادر على إفنائكم [ وإعدامكم ]{[10028]} بالكُلِّيَّة ، وعلى أنْ يوجِدَ قَوْماً آخَرِين ، يشتغلون بِعبَادَته وتَعْظِيمه ، وكان اللَّه على ذَلِك قَدِيراً .

قوله : " بآخرين " : آخرين صِفَةٌ لموصوفٍ محذُوف من جنسِ ما تقدَّمه تقديرُه : بناسٍ آخرين يعبدون الله ، ويجُوز أن يكونَ المَحْذُوف من غير جنس ما تقدَّمه .

قال ابن عطية{[10029]} : " يُحْتَمل أن يكون وَعِيداً لجميع بني آدم ، ويكونُ الآخرُون من غير نَوْعِهم ، كما رُوي : أنه كان ملائكةٌ في الأرْضِ يَعْبدُون الله " .

وقال الزَّمخْشَرِي{[10030]} : " أو خلقاً آخرين غير الإنس " وكذلك قال غيرهما .

وردّ أبو حيان{[10031]} هذا الوجه : بأنَّ مدلولَ آخر ، وأخْرَى ، وتَثْنِيتَهُمَا ، وجَمْعهُمَا ، نحو مدلول " غير " إلا أنه خاصٌّ بجنسِ ما تقدَّمه . فإذا قلت : " اشتريت فرساً وآخرَ ، أو : ثوباً وآخر ، أو : جاريَة وأخْرى ، أو : جاريتين وأخريين ، أو جواري وأُخَرَ " لم يكن ذلك كُلُّه إلا من جِنْس ما تقدم ، حتى لو عنيت " وحماراً آخر " في الأمثلة السابقة لم يَجُزْ ، وهذا بخلاف " غير " فإنَّها تكون من جِنْسِ ما تقدَّم ومن غيره ، تقول " اشتريْتُ ثوباً وغيره " لو عَنَيْت : " وفرساً غيره " جاز .

قال : " وقَلَّ مَنْ يَعْرِف هذا الفرق " . وهذا الفرقُ الذي ذكره وردَّ به على هؤلاء الأكابر غيرُ موافقٍ عليه ، لم يستند فيه إلى نَقْل ، ولكن قد يُرَدُّ عليهم ذلك من طريقٍ أخْرَى ، وهو أنَّ " آخرين " صِفَةٌ لموصوف محذوف ، والصِّفَةُ لا تقوم مقام موصوفها ، إلا إذا كانت خاصَّة بالموصوف ، نحو : " مررت بكاتبٍ " ، أو يدلُّ عليه دَلِيل ، وهنا ليست بِخَاصَّةٍ ، فلا بد وأن تكونَ من جِنْسِ الأوَّلِ ؛ لتحصُلَ بذلك الدِّلالةُ على الموصُوفِ المَحْذُوف .

وقال القرطبي{[10032]} : وهذا كقوله في آية أخرى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] وفي الآية تَخويفٌ ، وتنبِيه لمن كان له ولايةٌ وإمَارَةٌ ، أو رياسةٌ فلا يعدل في رعيته ، أو كان عَالِماً فلا يَعْمَل بعلْمهِ ، ولا يَنْصَح النَّاسَ ، { وكان الله على ذلك قديراً } ، والقُدْرَة : صِفَة أزليَّة لا تَتَنَاهَى مَقْدُوراته ، كما لا تتناهى مَعْلُومَاته ، والمَاضِي والمُسْتقبل في صِفَاتِه بمعنًى واحدٍ ، وإنما خصَّ الماضِي بالذكر ؛ لئلا يُتوهَّم أنَّه يحدث في صِفَاتِه وذاته ، والقُدْرَة : هي التي يكُون بها الفِعْل ، ولا يجوزُ وُجُود العَجْزِ مَعها .


[10026]:سقط في أ.
[10027]:سقط في ب.
[10028]:سقط في أ.
[10029]:ينظر: المحرر الوجيز 2/122.
[10030]:ينظر: الكشاف 1/574.
[10031]:ينظر: البحر المحيط 3/383.
[10032]:ينظر: تفسير القرطبي 5/263.