إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأۡتِ بِـَٔاخَرِينَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرٗا} (133)

{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس } أي يُفْنِكم ويستأصِلْكم بالمرة { وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } أي ويوجِدْ دفعةً مكانكم قوماً آخرين من البشر أو خلقاً آخرين مكانَ الإنسِ ، ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لكونه مضمونَ الجزاءِ أي إن يشأ إفناءَكم وإيجادَ آخرين يذهبْكم الخ ، يعني أن إبقاءَكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم ولعدم تعلقِ مشيئتِه المبنيةِ على الحِكَم البالغةِ بإفنائكم لا لعجزه سبحانه ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً { وَكَانَ الله على ذلك } أي على إفنائكم بالمدة وإيجاد آخرين دفعة مكانكم { قَدِيراً } بليغَ القدرةِ فيه -لاسيما في توسط الخطابِ بين الجزاءِ وما عُطف عليه من تشديد التهديد- ما لا يخفى ، وقيل : خطاب لمن عادى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من العرب ، أي إن يشأ يُمِتْكم ويأتِ بأناس آخرين يوالونه فمعناه هو معنى قوله تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمثالكم } [ محمد صلى الله عليه وسلم ، الآية 38 ] ويروى أنها لما نزلت ضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمانَ وقال : «إنهم قومُ هذا يريد أبناءَ فارسَ » .