الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأۡتِ بِـَٔاخَرِينَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرٗا} (133)

قوله تعالى : { بِآخَرِينَ } : آخرين صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ مِنْ جنسِ ما تقدَّمه تقديرُه : بناسٍ آخرين يعبدون الله ، ويجوز أن يكونَ المحذوفُ من غير جنس ما تقدَّمه . قال ابن عطية : " يحتمل أن يكون وعيداً لجميع بني آدم ، ويكونُ الآخرون من غير نوعهم ، كا رُوي أنه كان ملائكةٌ في الأرض يعبدون الله . وقال الزمخشري : " أو خلقاً آخرين غيرَ الإِنس " وكذلك قال غيرهما . وقد رَدَّ الشيخ هذا الوجه بأنَّ مدلولَ آخر وأخرى وتثنيتَهما وجمعَهما نحو مدلول " غير " إلا أنه خاصُّ بجنسِ ما تقدَّمه ، فإذا قلت : " اشتريت فرساً وآخرَ ، أو : ثوباً وآخر ، أو : جارية وأخرى ، أو : جاريتين وأُخْريين ، أو جواري وأُخَرَ " لم يكن ذلك كلُه إلا من جنس ما تقدم ، حتى لو عنيت " وحماراً آخر " في الامثلة السابقة لم يَجُزْ ، وهذا بخلافِ " غير " فإنَّها تكون من جنسِ ما تقدَّم ومِنْ غيرِه ، تقول " اشتريت ثوباً وغيره " لو عنيت : " وفرساً غيره " جاز . قال : " وقَلَّ مَنْ يعرف هذا الفرق " وهذا الفرقُ الذي ذكره وَردَّ به على هؤلاء الأكابرِ غيرُ موافَقٍ عليه ، لم يستند فيه إلى نَقْل ، ولكن قد يُرَدُّ عليهم ذلك من طريق أخرى ، وهو أن " آخرين " صفةٌ لموصوف محذوف ، والصفةُ لا تقوم مقامَ موصوفِها إلا إذا كانت خاصةً بالموصوف نحو : " مررت بكاتبٍ " أو يدل عليه دليل ، وهنا ليست بخاصةٍ ، فلا بد وأن تكونَ من جنسِ الأولِ لتحصُلَ بذلك الدلالةُ على الموصوفِ المحذوفِ .