قوله تعالى : { يا أهل الكتاب } ، يريد يا أهل الكتابين .
قوله تعالى : { قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } ، أي : من التوراة والإنجيل ، مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وآية الرجم ، وغير ذلك .
قوله تعالى : { ويعفو عن كثير } ، أي : يعرض عن كثير مما أخفيتم فلا يتعرض له ، ولا يؤاخذكم به .
قوله تعالى : { قد جاءكم من الله نور } ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقيل : الإسلام .
قوله تعالى : { وكتاب مبين } ، أي : بين ، وقيل : مبين وهو القرآن .
وحين يبلغ السياق هذا الموضع من استعراض موقف اليهود والنصارى من ميثاقهم مع الله . . وجهوا الخطاب لأهل الكتاب جميعا . . هؤلاء وهؤلاء . . لإعلانهم برسالة خاتم النبيين ؛ وإنها جاءت إليهم – كما جاءت للعرب الأميين ، وللناس أجمعين . فهم مخاطبون بها ، مأمورون باتباع الرسول الأخير - وهذا طرف من ميثاق الله معهم كما سلف - وأن هذا الرسول الأخير قد جاء يكشف لهم عن كثير مما كانوا يخفونه من الكتاب الذي بين أيديهم ؛ والذي استحفظوا عليه فنقضوا عهدهم مع الله فيه ؛ ويعفو كذلك عن كثير مما أخفوه ، ولم تعد هناك ضرورة له في الشريعة الجديدة . . ثم يتعرض لبعض الانحرافات التي جاء الرسول الأخير ليقومها في معتقداتهم : كقول النصارى : إن المسيح عيسى بن مريم هو الله . وكقولهم هم واليهود نحن أبناء الله وأحباؤه . . ويختم هذا النداء بأنه لن تكون لهم حجة عندالله بعد الرسالة الكاشفة المبينة المنيرة ؛ ولن يكون لهم أن يقولوا : إنه مرت عليهم فترة طويلة بعد الرسالات فنسوا ولبس الأمر عليهم :
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير . قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ؛ ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم . . لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح بن مريم . قل : فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ؟ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، يخلق ما يشاء ، والله على كل شيء قدير . . وقالت اليهود والنصارى : نحن أبناء الله وأحباؤه . قل : فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ بل أنتم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ؛ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ، وإليه المصير . . يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم - على فترة من الرسل - أن تقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير . فقد جاءكم بشير ونذير . والله على كل شيء قدير } .
لقد كان أهل الكتاب يستكثرون أن يدعوهم إلى الإسلام نبي ليس منهم . . نبي من الأميين الذين كانوا يتعالون عليهم من قبل ويتعالمون ؛ لأنهم هم أهل الكتاب وهؤلاء أميون ! فلما أراد الله الكرامة لهؤلاء الأميين بعث منهم خاتم النبيين ، وجعل فيهم الرسالة الأخيرة ، الشاملة للبشر أجمعين . وعلم هؤلاء الأميين ، فإذا هم أعلم أهل الأرض ؛ وأرقاهم تصوراً واعتقاداً ؛ وأقومهم منهجاً وطريقاً ، وأفضلهم شريعة ونظاماً ، وأصلحهم مجتمعاً وأخلاقاً . . وكان هذا كله من فضل الله عليهم ؛ ومن إنعامه بهذا الدين وارتضائه لهم . . وما كان للأميين أن يكونوا أوصياء على هذه البشرية لولا هذه النعمة ؛ وما كان لهم - وليس لهم بعد - من زاد يقدمونه للبشرية إلا ما يزودهم به هذا الدين . .
وفي هذا النداء الإلهي لأهل الكتاب ، يسجل عليهم أنهم مدعوون إلى الإسلام . مدعوون للإيمان بهذا الرسول ونصره وتأييده ، كما أخذ عليهم ميثاقه . ويسجل عليهم شهادته - سبحانه - بأن هذا النبي الأمي هو رسوله إليهم - كما أنه رسول إلى العرب ، وإلى الناس كافة - فلا مجال لإنكار رسالته من عند الله أولاً ؛ ولا مجال للادعاء بأن رسالته مقتصرة على العرب ، أو ليست موجهة إلى أهل الكتاب ثانياً :
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ، يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير } . .
فهو رسول الله إليكم . ودوره معكم أن يبين لكم ويوضح ويكشف ، ما تواطأتم على إخفائه من حقائق كتاب الله الذي معكم . . سواء في ذلك اليهود والنصارى . . وقد أخفى النصارى الأساس الأول للدين . . التوحيد . . وأخفى اليهود كثيراً من أحكام الشريعة ؛ كرجم الزاني ، وتحريم الربا كافة . كما أخفوا جميعاً خبر بعثة النبي الأمي { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } . . كما أنه - صلى الله عليه وسلم - يعفو عن كثير مما أخفوه أو حرفوه ؛ مما لم يرد به شرعه . فقد نسخ الله من أحكام الكتب والشرائع السابقة ما لم يعد له عمل في المجتمع الإنساني ، مما كانت له وظيفة وقتية في المجتمعات الصغيرة الخاصة ، التي بعث إليها الرسل من قبل ولفترة محدودة - في علم الله - من الزمان ، قبل أن تجيء الرسالة الشاملة الدائمة ، وتستقر - وقد أكملها الله وأتم بها نعمته ورضيها للناس دينا - فلم يعد فيها نسخ ولا تبديل ولا تعديل .
ويبين لهم طبيعة ما جاء به هذا الرسول ، ووظيفته في الحياة البشرية ، وما قدر الله من أثره في حياة الناس .
( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ) . .
وليس أدق ولا أصدق ولا أدل على طبيعة هذا الكتاب . . القرآن . . وعلى طبيعة هذا المنهج . . الإسلام . . من أنه ( نور ) . .
إنها حقيقة يجدها المؤمن في قلبه وفي كيانه وفي حياته وفي رؤيته وتقديره للأشياء والأحداث والأشخاص . . يجدها بمجرد أن يحد حقيقة الإيمان في قلبه . . ( نور ) نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف . ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم .
ثقلة الطين في كيانه ، وظلمة التراب ، وكثافة اللحم والدم ، وعرامة الشهوة والنزوة . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . تخف الثقلة ، وتشرق الظلمة ، وترق الكثافة ، وترف العرامة . .
واللبس والغبش في الرؤية ، والتأرجح والتردد في الخطوة ، والحيرة والشرود في الاتجاه والطريق البهيم الذي لا معالم فيه . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . يتضح الهدف ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق . .
( نور . وكتاب مبين ) . . وصفان للشيء الواحد . . لهذا الذي جاء به الرسول الكريم . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.