الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

قوله تعالى : " يا أهل الكتاب " الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب ، فجميعهم مخاطبون . " قد جاءكم رسولنا " محمد صلى الله عليه وسلم . " يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " أي من كتبكم ، من الإيمان به ، ومن آية الرجم ، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة ، فإنهم كانوا يخفونها . " ويعفو عن كثير " أي يتركه ولا يبينه ، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته ، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته ، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه . وقيل : " ويعفو عن كثير " يعني يتجاوز عن كثير فلا يخبركم به . وذكر أن رجلا من أحبارهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : يا هذا عفوت عنا ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين ، وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه ، فلما لم يبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من عنده فذهب وقال لأصحابه : أرى أنه صادق فيما يقول : لأنه كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله عنه . " قد جاءكم من الله نور " أي ضياء . قيل : الإسلام . وقيل : محمد عليه السلام ، عن الزجاج . " وكتاب مبين " أي القرآن ، فإنه يبين الأحكام ، وقد تقدم{[5427]} .


[5427]:راجع ص 27 من هذا الجزء.