اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

لما حكى عن اليهود والنَّصارى نَقْضَ العَهْد ، دَعَاهُم بعد ذلك إلى الإيمان بِمُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ، فقال : { يَأَهْلَ الْكِتَابِ } وأراد اليَهُود والنَّصَارى ، وَوَحَّد " الكِتَاب " إرادة للْجِنْس .

ثم قال : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ } .

قال ابن عباس : أخْفُوا آية الرَّجْمِ من التَّوْراة وبَيَّنَها الرَّسُول - عليه السلام - لهم ، وهو لَمْ يَقْرأ [ كتاباً ]{[11271]} ولم يتعلَّم علماً من أحَد{[11272]} ، وهذه مُعْجِزة ، وأخفوا صِفَةَ مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - في الإنْجِيلِ ، وغير ذَلِك .

قوله : " يُبَيِّن " في محلِّ نَصْب على الحَال من " رَسُولُنَا " ، أي : جَاءَكم{[11273]} رسولُنا في هذه الحالة ، و " ممَّا " يتعلَّق بَمْحذُوف ؛ لأنَّه صِفَة ل " كَثيراً " ، و " مَا " موصولةٌ اسميَّة ، و " تُخْفُون " صلتُهَا ، والعائد مَحْذُوفٌ ، أي : من الذين كُنْتُم تُخْفُونَهُ ، و " مِن الكِتَابِ " متعلِّق بِمَحْذُوف على أنَّه حالٌ من العَائِد المَحْذُوف .

وقوله : { وَيعْفُو عَن كَثِيرٍ } ، أي : لا يُظْهِر كثيراً مما كُنْتُم تُخْفُون من الكِتَاب ، فلا يتعرَّض لكم ، ولا يُؤاخذكم به ؛ لأنَّه لا حاجةَ له إلى إظْهَارِهِ ، والفَائِدةُ في ذلك : أنهم{[11274]} علموا كَوْنَ الرَّسُول عالماً بكُلِّ ما يُخْفُونَه ، فيصير ذلك داعياً لهم إلى تَرْكِ الإخْفَاء ، لئلا يفتضح أمرهم{[11275]} .

والضَّمِير في " يُبَيِّنُ " و " يَعْفُو " يعود على الرَّسُول .

وقد جوَّز قومٌ أن يعود على الله تعالى ، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لِقَوْلِهِ : " يُبَيِّنُ " من الإعراب ، ويمتنعُ أن يكون حَالاً من " رَسُولُنَا " لعدم الرَّابِط ، وصِفَةُ " كَثِير " محذوفة لِلْعِلْمِ بها ، وتَقْدِيرُه : عن كثير من ذُنُوبِكُمْ ، وحذف الصِّفَة قَلِيلٌ .

قوله : { قَد جَاءَكُم من اللَّهِ نُورٌ } لا محلَّ له [ من الإعراب ]{[11276]} لاستئنَافِه ، و " من اللَّه " يَجُوز أن يتعلق ب " جاء " ، وأن يتعلَّق بمحذُوف على أنَّه حَالٌ من " نُورٌ " ، قدِّمت صفة النَّكرة عليها ، فنُصِبَتْ حالاً .

فصل في معنى الآية

والمراد بالنُّور : محمد - عليه الصلاة والسلام - ، وبالكتاب : القُرْآن ، وقيل : المراد بالنُّور : الإسلام ، وبالكِتَاب القُرْآن ، وقيل : النُّور والكتاب والقُرْآن ، وهذا ضعيفُ ؛ لأنَّ العَطْفَ يوجبُ التَّغَاير .


[11271]:في أ: كتبا.
[11272]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(4/502) وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(2/475) وزاد نسبته لابن الضريس وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.
[11273]:في ب: حالكم.
[11274]:في أ: إذا.
[11275]:في ب: يفتضحوا.
[11276]:سقط في أ.